
نون بوست علي الكوري
يبدو أن المؤتمر الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد كشف عن أزمة بنيوية عميقة داخل هذا الكيان العريق، الذي كان يوما ما مدرسة للفكر الديمقراطي ومختبرًا للنضال السياسي بالمغرب. فبدل أن يشكل المؤتمر لحظة لتجديد الدماء وضخ روح شبابية في التنظيم، تحول إلى محطة لتكريس هيمنة شخص واحد على الحزب لأربع ولايات متتالية، في مشهد يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى الشعارات التي رفعها الاتحاد لعقود حول التداول، الديمقراطية الداخلية، وتجديد النخب.
اللافت أن ما جرى لا يمكن وصفه إلا بكونه إعادة إنتاج للتحكم الحزبي بوجه ديمقراطي، إذ تم توظيف أجهزة الحزب، وأذرعه التنظيمية، ولجانه المركزية في اتجاه واحد يخدم استمرار القيادة ذاتها، فيما ظلت الأصوات الداعية للتغيير والهياكل الجهوية الصاعدة خارج دائرة القرار. هكذا، سقطت شعارات “الشباب في القيادة” و”التناوب الداخلي” سقوطا مدويا أمام واقع التزكية والتوريث التنظيمي.
إن ما زاد من قتامة الصورة هو الحماس المصطنع لبعض الوجوه الجديدة الوافدة على الحزب من تنظيمات أخرى، والتي وجدت في المؤتمر فرصة للتموقع السياسي تحت مظلة “الوردة”، دون أن تكون لها أي خلفية نضالية أو ارتباط بالقيم الاتحادية الأصيلة. هؤلاء، بدل أن يطرحوا أسئلة الإصلاح، انخرطوا في ترديد خطاب الزعيم وتبرير استمراريته، وكأن الاتحاد لم يعد سوى منصة لتوزيع الولاءات والمناصب.
أما على مستوى الحضور الوطني، فقد فقد الحزب بريقه الذي ميزه في مراحل مفصلية من تاريخ المغرب. من حزب قاد المعارضة الوطنية بشراسة، وفرض نفسه كفاعل سياسي أساسي، إلى تنظيم يتراجع إلى مراتب متأخرة في المشهد الحزبي، عاجز عن استقطاب النخب الجديدة أو استعادة ثقة الناخبين. بات الاتحاد اليوم يعيش على رصيد رمزي من الماضي أكثر مما يعيش على منجزات الحاضر أو رؤى المستقبل.
هذا التراجع لا يمكن فصله عن غياب التجديد الفكري والسياسي، وابتعاد الحزب عن قضايا المجتمع الحقيقية، خصوصا قضايا الشباب والعدالة الاجتماعية والجهوية المتوازنة. فبينما تتغير بنية المجتمع المغربي وتظهر مطالب جديدة، يظل الخطاب الاتحادي أسير القوالب القديمة والوجوه ذاتها، التي لم تعد تقنع حتى قواعدها التنظيمية.
إن مؤتمر الاتحاد الاشتراكي كان من المفترض أن يكون لحظة لإعادة التأسيس، لكنه تحول إلى مناسبة لتأكيد أن التغيير داخل الحزب أصبح مؤجلاً إلى إشعار آخر. وهكذا، تسقط كل الشعارات عن “التناوب” و”تجديد الأجيال”، لتترك مكانها لواقع سياسي مملوء بالتناقضات، وملفوف بـ”النفاق التنظيمي”، حيث تُرفع رايات الديمقراطية الشكلية بينما تدار الأمور بعقلية الزعيم الأبدي.