🔹 كلميم بين البلاغات المتقابلة… حين تتحول التنمية إلى رهينة صراعات المجلس ومصالح اللوبيات

15 أكتوبر 2025
🔹 كلميم بين البلاغات المتقابلة… حين تتحول التنمية إلى رهينة صراعات المجلس ومصالح اللوبيات
🔹 كلميم بين البلاغات المتقابلة… حين تتحول التنمية إلى رهينة صراعات المجلس ومصالح اللوبيات

نون بوست                                 علي الكوري 

تعيش مدينة كلميم على وقع سجال سياسي جديد بين مكونات مجلسها الجماعي، بعدما أصدرت الأغلبية بلاغا مثيرا للجدل تلاه بلاغ ثان لأعضاء وعضوات من المجلس أعلنوا فيه رفضهم لما ورد في البيان الأول، في مشهد يؤكد أن النقاش السياسي داخل المدينة انحرف مجددا عن جوهره التنموي نحو معارك الاصطفاف والاتهامات المتبادلة.

فبيان الأغلبية، الصادر تحت عنوان “بيان رقم 1″، حاول تقديم صورة مجلس يشتغل بغيرة على تنمية المدينة، ويلقي بالمسؤولية على الشركاء والمتدخلين الآخرين بدعوى “تعثر المشاريع وتباطؤ التنفيذ”. غير أن طريقة صياغته، التي تحدثت باسم مجلس جماعة كلميم ككل، دون استشارة باقي الأعضاء، كانت كفيلة بإشعال فتيل الخلاف وفتح باب التشكيك في خلفياته السياسية.

البيان الثاني الذي أصدره عدد من الأعضاء والعضوات، جاء كرد مباشر على ما اعتبروه “زجاً بجميع مكونات المجلس في صراع سياسي لا يعنيهم”، مؤكدين أن البلاغ الأول “مسّ بمصداقية التعددية السياسية” داخل المجلس، وجر الجميع إلى معارك لا تخدم المصلحة العامة ولا قضايا الساكنة. هذا الموقف، وإن بدا دفاعا عن الديمقراطية التشاركية، يعكس في الوقت ذاته هشاشة التنسيق داخل المؤسسة المنتخبة.

في العمق، تعكس هذه البلاغات المتقابلة حالة الارتباك التي يعيشها مجلس جماعة كلميم، حيث أضحى النقاش العمومي منصبا على من يتحمل مسؤولية التعثر بدل البحث عن حلول واقعية لتدارك التأخر الكبير في تنفيذ المشاريع، من قبيل تأهيل المدينة العتيقة والمجزرة العصرية وكلية الطب والاقتصاد.

البيان الأول تحدث بوضوح عن “جهات تعرقل عمل المجلس وتمنع عقد لجان القيادة والتتبع”، في إشارة مبطنة إلى السلطات المحلية أو بعض الشركاء المؤسساتيين. لكن من اللافت أنه لم يقدم أدلة واضحة أو توضيحات دقيقة حول هذه العراقيل، ما جعله يبدو أقرب إلى تبرير سياسي للفشل أكثر من كونه تشخيصاً موضوعيا للوضع.

أما البيان الثاني، فرغم دفاعه عن احترام المؤسسات والتمثيلية، لم يقدم بدوره حلولا أو مقترحات عملية للنهوض بقطاع التنمية المحلية، مكتفيا بلغة النفي والبراءة من الصراعات، دون تقديم رؤية بديلة أو نقد ذاتي لمسار المجلس ككل، الذي شارك فيه الموقعون أنفسهم طيلة السنوات الأربع الماضية.

المدينة اليوم لا تحتاج إلى مزيد من البلاغات، بل إلى عمل ميداني وتنسيق مؤسساتي حقيقي بين الجماعة وباقي الفاعلين الترابيين. فالمواطن البسيط لا يعنيه من يصدر البيان، بقدر ما يعنيه أن ترفع الأزبال من الشوارع، وأن يرى المشاريع المتوقفة تعود إلى الحياة، وأن يشعر أن صوته الانتخابي لم يضع سدى في زحمة الحسابات السياسية الضيقة.

إن رمي المسؤولية على “جهات أخرى” لم يعد مقنعا، لأن التجارب المتكررة بيّنت أن جزءا كبيرا من المشكل يكمن داخل الجماعة نفسها، في غياب الحكامة، وانعدام الرؤية الاستراتيجية، والارتهان للقرارات الانفعالية التي لا تراعي واقع المدينة ولا حاجيات ساكنتها.

كما أن تذرع الأغلبية بـ”عرقلة الشركاء” لا يعفيها من مسؤولية المبادرة والترافع والتنسيق، فالتنمية لا تدار بالبلاغات، بل بالعمل الميداني والضغط المؤسساتي في إطار القانون. ومن جهة أخرى، فإن المعارضة مطالبة بالتقييم الجاد، لا بالاكتفاء ببيانات التوضيح التي تسكن ولا تداوي.

كلميم اليوم أمام امتحان سياسي حقيقي، حيث أصبح الصراع الداخلي يهدد استقرار مؤسسة يفترض أن تكون رافعة للتنمية، لا ساحة لتبادل الاتهامات. وأخطر ما في الأمر أن هذه الخلافات تضعف ثقة الساكنة في النخبة المنتخبة وتغذي الشعور العام بالعزوف واللامبالاة.

إن ما تحتاجه المدينة ليس بيانا آخر، بل وقفة حقيقية لتصحيح المسار، تبدأ بمصارحة الذات، وتغليب المصلحة العامة، وتجاوز منطق “اللوم” و“التبرير”، لأن التنمية لا تنتظر مزيدا من البيانات، بل تنتظر رجالا ونساءً يؤمنون بالفعل لا بالكلام.

ويبقى السؤال الأهم: من يجرؤ اليوم على إيقاف هذا النزيف السياسي، وإعادة مجلس جماعة كلميم إلى طاولة العمل الجاد بدل ساحات البلاغات؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة