نون بوست علي الكوري
صادقت اللجنة المكلفة بـ«عرض المغرب» للهيدروجين الأخضر على سلسلة من الإجراءات الطموحة التي تهدف إلى جعل المملكة ضمن الدول الرائدة في هذا القطاع الحيوي. هذه المبادرة جاءت استجابة للتوجيهات الملكية السامية، وتركز على تسريع الدراسات المتقدمة، وتأهيل الموارد والبنيات الأساسية التي ستُشكل العمود الفقري لنجاح هذه المشاريع. ويتعلق الأمر برؤية استراتيجية شاملة تروم تعزيز السيادة الطاقية للمغرب وربطه بالأسواق الدولية في مجال الطاقة النظيفة.
الأقاليم الجنوبية للمملكة كانت في صلب هذه الخطة، حيث تمت الموافقة على توقيع عقود أولية مع خمسة مستثمرين مغاربة وأجانب لإنجاز ستة مشاريع كبرى موزعة على الجهات الجنوبية الثلاث. وتقدر الاستثمارات المرصودة لهذه المشاريع بنحو 319 مليار درهم، وهو رقم ضخم يعكس حجم الرهان الذي تضعه الدولة على هذه المنطقة. هذا التوجه يؤكد أن الجنوب المغربي لم يعد فقط فضاء جغرافيا استراتيجيا، بل تحول إلى رافعة اقتصادية أساسية ضمن مسار الانتقال الطاقي الوطني.
ولإنجاح هذه المشاريع، تعمل السلطات على توفير حزمة متكاملة من البنيات التحتية، تشمل شبكات كهربائية حديثة، وموانئ قادرة على استقبال السفن الضخمة، ومحطات متطورة لتحلية مياه البحر، وذلك لضمان استدامة الاستثمارات. كما وضعت اللجنة معايير صارمة وشفافة في عملية الانتقاء، لضمان توازن الشراكة بين الدولة والمستثمرين، وتحقيق الاستخدام الأمثل للأراضي العمومية المخصصة لهذه المشاريع الكبرى.
التركيز على الأقاليم الجنوبية يحمل أبعادا تنموية واجتماعية بالغة الأهمية، إذ سيوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الشباب، وسيساهم في تحسين مستوى البنية المحلية من طرق ومرافق وخدمات. كما سيعزز هذا التوجه اندماج هذه المناطق بشكل أكبر في الدورة الاقتصادية الوطنية، ويكرس العدالة المجالية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها. ومن المتوقع أن تستفيد ساكنة مدن مثل العيون وطرفاية والداخلة بشكل خاص من هذه الدينامية الاستثمارية الجديدة.
غير أن نجاح هذه المشاريع الطموحة يظل رهينا بالالتزام الصارم بالآجال الزمنية المحددة، وبالتنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات المحلية. كما أن فتح الباب أمام مستثمرين إضافيين يظل مطروحا، بما يسمح بتوسيع دائرة الفاعلين وضمان استدامة التمويل. وإذا ما توفرت كل هذه الشروط، فإن الأقاليم الجنوبية مرشحة لأن تتحول في غضون سنوات قليلة إلى منصة إقليمية رائدة في مجال الطاقات المتجددة، ومركز محوري يربط بين إفريقيا وأوروبا في ميدان الهيدروجين الأخضر.