نون بوست علي الكوري
أثار إعلان مجلس جهة كلميم وادنون حول شروط الاستفادة من الدعم الثقافي والفني لسنة 2025 موجة من الجدل في الأوساط الجمعوية والفنية، بعدما عبّر عدد من الفاعلين عن استيائهم من الطريقة التي يتم بها تدبير ملفات الدعم، مشيرين إلى ما اعتبروه “ضبابية” و”انتقائية” في التعامل مع الجمعيات، و”تسييسا واضحا” .
في ردها على تصاعد الأصوات المنتقدة، أصدرت الجهة توضيحا جاء فيه أن المقصود بـ”الملف القانوني” المطلوب يتضمن وثائق إدارية أساسية (كالنظام الأساسي، ومحاضر الجمع العام، والتقارير الأدبية والمالية…)، مع اشتراط تقديم نسخ متعددة لتفادي العودة إلى الإدارة. وأضاف البلاغ أن الهدف من هذه الإجراءات هو ضمان الشفافية وتحسين معالجة الطلبات في أحسن الظروف.
لكن هذا التوضيح لم يُقنع العديد من المهتمين بالشأن الثقافي، والذين اعتبروا أن الإشكال أعمق من مجرد “نقص في الفهم” أو “سوء في التواصل”. حيث كتب الناشط مبارك أوراغ تعليق له على صفحة الجهة أن “الاختباء وراء الوثائق لا يُخفي التسييس واستغلال الدعم من طرف بعض المنتخبين”، مضيفا أن دفتر التحملات نفسه يعرف اختلالات في الصياغة والتنزيل، داعيا إلى فتح نقاش جدي ومسؤول.
من جهته، دعا الفاعل الجمعوي أوبلا لحسن إلى إصدار بيان باسم المجتمع المدني يطالب فيه بفتح تحقيق نزيه حول ما سماه بـ”الفضيحة”، معتبرا أن ما يقع يعد إقصاء ممنهجا لأصوات جمعوية لا تحظى بولاء سياسي أو تقرب انتخابي. هذا الموقف يعكس اتساع دائرة التشكيك في نزاهة آلية الدعم، ويدق ناقوس الخطر حول فقدان الثقة بين المؤسسة والمجتمع المدني المحلي.
ولم تخلُ التعليقات من أمثلة دقيقة تكشف حجم المفارقات، حيث تساءل محمد الكوا عن سبب تأخر الجهة في إصدار توضيحات، مستعرضا مشروعا ثقافيا متكاملا كانت إحدى الجمعيات تقدمت به ويتوفر على كل الشروط المطلوبة: من مقر مجهز، إلى أساتذة، إلى تغطية تقنية كاملة، ولم يُطلب إلا تغطية ساعات العمل. ورغم ذلك، يقول الكوا، “تم تجاهله بشكل مريب”.
في ظل هذا المناخ المشحون، يتساءل عدد من المتتبعين عن مصير هذا البرنامج، وعن مدى التزام الجهة بمبدأ العدالة الثقافية والإنصاف في توزيع الدعم. فالأمر لا يتعلق فقط بإجراءات تقنية، بل بثقة مفقودة، وتراكمات قديمة تعمّقت بفعل غياب الشفافية والوضوح في المعايير، واستمرار الريع الثقافي المقنّع باسم الشراكة والدعم.
ومهما حاولت الجهة تقديم توضيحات شكلية، فإن المأمول من مؤسسة منتخبة جهوية هو أن تفعل سياسة ثقافية واضحة، تقوم على الشراكة الحقيقية مع الفاعلين، لا على إقصائهم أو التمييز بينهم، وأن تكون منصة لبناء الثقة لا لتغذية الشكوك، وأن ترى في النقد فرصة للإصلاح
ويبقى الأمل معقودا على أن تتحول هذه الأزمة إلى لحظة مراجعة شاملة، يتم خلالها تصحيح المسار، وإعادة النظر في دفتر التحملات، وضمان تكافؤ الفرص لجميع الجمعيات بعيدا عن الولاءات السياسية. لأن الثقافة، في نهاية المطاف، ليست امتيازا يمنح، بل حقيُنتزع ويصان.