حوار مع الاستاذ امبارك حيروش خطاب عيد العرش: ترسيخ الثوابت الوطنية ورسم استراتيجية وطنية للتنمية الترابية المندمجة

31 يوليو 2025
حوار مع الاستاذ امبارك حيروش خطاب عيد العرش: ترسيخ الثوابت الوطنية ورسم استراتيجية وطنية للتنمية الترابية المندمجة

حاوره                              علي الكوري 

يندرج هذا الحوار مع الدكتور حيروش امبارك، الأستاذ المكوِّن بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة كلميم وادنون، في سياق تحليل مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد.
يروم هذا اللقاء تسليط الضوء على الكيفية التي يعكس بها الخطاب الثوابت الوطنية للمملكة، ويوازن بين الأبعاد الداخلية والخارجية، كما يستحضر الرمزية التاريخية لعيد العرش في تجديد التعاقد بين الملك والشعب، واستشراف دلالاته السياسية والاجتماعية للمرحلة المقبلة.

  1. كيف يعكس الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الثوابت الوطنية للمملكة المغربية؟

إن الخطاب الملكي السامي، الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2025، ليس خطابا منعزلا أو حدثا عابرا، ولا ينبغي أن يقرأ بكونه عابراً مثله مثل أي خطاب سياسي عادي. إنه خطاب يتجاوز سطحية العمل السياسي ليتخذ بعدا دستوريا ومؤسساتيا عميقا، يؤكد تشبث المغاربة بالملكية ويجدد معاني الواقعية والدستورية للبيعة، ويرسخ قيم الارتباط المتين بين الشعب وملكه، ويجدد أواصر هذه البيعة التاريخية.

إن الخطاب الملكي السامي يمثل التوجهات والاختيارات الكبرى للمملكة، ويعد وثيقة تعاقدية ذات طابع دستوري تؤطر عمل الحكومة والمؤسسات بمستوياتها المركزية والجهوية. فالملك، بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ورئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.

وجدير بالذكر أن جلالة الملك قد أكد على مبادرة الحكم الذاتي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه. ويمثل ذلك إشارة قوية على حسم نهائي لملف الصحراء المغربية كقضية وطنية لا رجعة فيها.

 

  1. ما دلالة التوازن بين البعد الداخلي والبعد الخارجي في مضامين الخطاب الملكي؟

إن النظر لمضامين الخطاب الملكي السامي، يستكشف توازنا بين البعدين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، قدم جلالته صورة دقيقة لديموغرافية البلاد من خلال مؤشرات إحصائية نوعية وكمية، تبرهن على تراجع مستوى الفقر متعدد الأبعاد على الصعيد الوطني، حيث انتقل هذا المؤشر من 11.9% سنة 2014 إلى 6.8% سنة 2024، إضافة إلى ارتفاع مؤشر التنمية البشرية. ومن جهة أخرى، أشار الخطاب إلى استفحال مظاهر التفاوت وإشكالات التنمية الترابية، لاسيما في العالم القروي، داعيا إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة. يتطلب ذلك اعتماد الحكومة على جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.

وفي السياق ذاته، حدد الخطاب الملكي السامي، استراتيجية المملكة في مواجهة القضايا والتحديات الدولية الموسومة بالمنافسة والاضطرابات الجيوسياسية، مما يستدعي يقظة وطنية قادرة على التأقلم مع هذه التحولات الجيوسياسية، وتثبيت مكانة المغرب كبلد صاعد. كما أكد جلالته على تمسك المغرب بالاتحاد المغرب العربي، واستعداد المملكة لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.

  1. كيف يوظف الخطاب الملكي الرمزية التاريخية لعيد العرش لتجديد التعاقد بين الملك والشعب؟

إن الخطاب الملكي السامي يحمل رمزية تاريخية عميقة تهدف إلى تجديد البيعة بين الملك والشعب، ويتجلى ذلك في عدة جوانب:

  • استحضار الشرعية التاريخية: عيد العرش ليس مجرد ذكرى لتولي الملك الحكم، بل هو امتداد لتاريخ طويل من البيعة والتعاقد بين ملوك المغرب وشعبهم. ويعمل الخطاب على تأكيد استمرارية العلاقة المتجذرة بين المؤسسة الملكية والأمة، مجددا بذلك أسس هذه العلاقة الواعية المجتمعية؛
  • التأكيد على الأدوار الدستورية والرمزية للملك: يبرز الخطاب الملكي في هذه المناسبة الأدوار الدستورية للملك كضامن لوحدة الأمة، وحامي للملة والدين، وساهر على حسن سير المؤسسات، وممثل أسمى للدولة. هذه الأدوار، المستمدة من تاريخ طويل ومضمنة في الدستور، تعزز من مكانة الملك كركيزة أساسية ضمن التعاقد المجتمعي والسياسي.
  • التواصل المباشر بين الملك وشعبه: يمثل الخطاب الملكي السامي استراتيجية تواصلية مباشرة بين الملك وكافة مكونات الشعب. هذا التواصل يخلق شعورا بالانتماء والمشاركة، ويؤكد أن التعاقد بين الملك والشعب هو علاقة حيوية ومستمرة، وليست مجرد وثيقة جامدة، بل هي تفاعل دائم يرسخ التلاحم الوطني.
  1. في أي مدى يمكن اعتبار خطاب عيد العرش مؤشراً لتوجهات المرحلة السياسية والاجتماعية المقبلة؟

يمثل الخطاب الملكي السامي مؤشرا لتوجهات المرحلة السياسية والاجتماعية المقبلة، ترتكز على جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية وذلك بالانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.

إن مضامين الخطاب ليست مجرد تقرير عن حصيلة الأداء، بل هو بوصلة تحدد معالم الطريق نحو المستقبل. من خلال تحليل مضامينه، يمكن استشراف الأولويات الوطنية، سواء تعلق الأمر بالإصلاحات الترابية، أو المشاريع التنموية الكبرى، أو السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة. كما يعكس الخطاب رؤية ملكية متكاملة لسبل تجاوز العقبات وتحقيق التطلعات، مؤكداً على المضي قدماً في مسار التنمية الشاملة.

في ختام هذا الحوار، يتضح أن الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2025 لم يكن مجرد مناسبة خطابية، بل وثيقة مرجعية تعكس العمق الدستوري والمؤسساتي للنظام السياسي المغربي، وتُجدد التعاقد التاريخي بين الملك والشعب. كما أن توازن مضامينه بين الداخلي والخارجي، واستحضاره للرمزية التاريخية، يؤكدان على استمرارية المشروع الوطني في ظل التحديات والمتغيرات. وهو ما يجعل من هذا الخطاب خريطة طريق لمغرب المستقبل، يقوم على العدالة المجالية، والتنمية المندمجة، والوحدة الوطنية الراسخة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة