
جلست في مقهى بجانب شابين، حاولت أن ابتعد عنهما بسبب كثافة دخان السجائر، نظرا لأنهما يدخنان بطريقة مهولة وغريبة. هكذا هي إفني، كل شيء فيها مختلف. الحديث، الشجون، الشجار، الصراخ، المناخ، وحتى التدخين، كل شيء مختلف.
أسرق السمع في جلسة الشابين، هما أصلا يتحدثان بصوت مرتفع، لا حديث لهما إلا عن الهجرة، وإسبانيا، تارة يتحدثون عن القوانين الجديدة في اسبانيا وانعكاسها على شؤون الهجرة والمهاجرين، ثم ينغمرون في تفاصيل بعض الاصدقاء الذين هاجروا سريا عبر قوارب الموت، في الصيف الماضي وبعض أصدقائهم الذين هاجروا إلى الجرز الكناري، كما يعرفون أدق التفاصيل عن هذه الجزر والمدن…وتارة أخرى يتحدثون عن فرنسا ومستجدات الفيزا وغيرها.. لا يتحدثون اطلاقا عن المغرب ولا عن الحكومة المغربية ولا عن التعاقد ولا عن قانون الإطار لاصلاح التعليم…
إرتشفت آخر ما تبقى من رحيق القهوة في قاع الكأس، ثم انصرفت.
الشوارع خاوية على عروشها، كراسي المقاهي شاغرة تتلاعب بها الرياح القوية، شرطي المرور مل من الفراغ، تتغير ألوان الأضواء ولا سيارات تمر أو تقف، أصبح الضوء الأحمر كالضوء الأخضر لا فرق بينهما…المدينة في سبات عميق. سوق السمك، لا هو بسوق ولا سمك فيه، يسمى هنا بالمارشي، ربما يمشون فيه طولا وعرضا…دكاكين مقفلة، الخبازون يعرضون الخبز على عربات مهترئة فوق الرصيف…لكن لا أحد يطلب الخبز.
بالقرب من باب المارشي، التقيت بالشاب ياسين، بعد التحية والسلام، سألته ما الجديد ؟
أجاب بكلمتين، بعد يومين سأرحل نهائيا يا صديقي، قالها بحسرة وأسف. أجبت مانيك ؟ ثم قال : خرجو ليا الوراق ديال اسبانيا وغادي ندي ولادي وسأغادر نهائيا…لا أمل هنا في هذه المدينة التعيسة.
إتجهت صوب تاجر صديق، تبادلنا أطراف الحديث داخل متجره حول وضع المدينة، ما الذي يجري؟ مالذي وقع ويقع لمدينة إفني، من المسؤول عن كل هذا الدمار الاقتصادي والاجتماعي …قبل الحديث عن مسؤولية الدولة، يطرح صديقي هذا السؤال :
ما هي حدود مسؤولية المواطن فيما يقع للمدينة؟ قلنا كلاما كثيرا…وفعلا وحتى اذا كانت الدولة تنظر إلى مدينة سيدي افني، بتوجس وحذر خاصة بعد انتفاضة السبت الأسود، لكن تبقى مسؤولية المنتخبين ثابتة، ومسؤولية المواطن مؤكدة، لأنهم يختارون منتخبين في آخر عمرهم، هم مستثمرون جشعون، ومضاربون في العقار وغير العقار، واغلبهم مفسدون، مستثمرون في السياسة، والمواطنون يعرفون ذلك جيدا، ولكنهم يجدون متعة ونشوة في التصويت لصالحهم ونصرتهم، وأغلبهم حين يصلون إلى المجلس يقتنون المنازل في أكادير ومراكش ولاس بالماس، لا يفكرون في مصلحة المدينة ومصلحة الساكنة…وقد فشلوا فشلا ذريعا في بعض مشاريع التهيئة الحضرية، وحولوا المدينة إلى خراب، وحفر متناثرة هنا وهناك ولا يملكون رؤية واضحة، ولا يمتلكون خطة ترافعية من أجل الدفاع عن المدينة…أما البرلمانيون فالبعض يقطن في حي كارليفونيا بالبيضاء وينتقلون عبر عواصم العالم خدمة لمصالحهم الخاصة، والبعض يقطن بالرباط ويعد الحساب للظفر بمقعد في 21…وتحولت المدينة إلى ساحة وغى انتخابي سابق لأوانه، كل واحد يستعرض عضلاته البنكية، كأنهم ذاهبون إلى سوق امحيريش أو سوق بلفاع…
مدير بنك، صديق الدراسة، عرجت على مؤسسته، قبل أن يتم تعيينه في بنك بمدينة إفني، اشتغل في عدة مدن بالجنوب، أكد أن هذه المدينة تعيش وضعا مختلفا، وتزداد تدهورا بالرغم من المؤهلات التي تتوفر عليها. الحل يقول السيد المدير يكمن في تهيئة الحي الصناعي بالمدينة وخلق معامل جديدة لكي تستفيد المدينة من ثرواتها السمكية، دون تهجيرها إلى أكادير أو آسفي…
هل تعيش المدينة حصارا اقتصاديا ؟
يجيب شاب يشتغل في مصبنة، نعم نعيش حصارا منذ سنوات، لا نعرف أسبابه ولا أهدافه، نحن نعاني هنا معاناة كثيرة جدا، نعيش في ظل ركود تجاري واقتصادي قاتل…فرض علينا هذا الجمود…نقاوم ولكن للاسف لم نعد قادرين على العيش هنا…تصوروا باش نصرف 100 درهم خصني ندور على 10 د الحوانت…
مدينة إفني غربت فيها كل الشموس…
كالعادة…عاد ناشر التشاؤم لتذكير أهل مكة بشعابها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تفائلو بالخير تجدوه” ، مثل هذه المقالات تنشر ثقافة اليئس والقنوط من رحمة الله، سيدي افني من أجمل المدن ففيها مناظر خلابة تبعث في النفس الانشراح والفرح، فيها اناس طيبون، بذلت وتبذل فيها مجهودات جبارة رغم عدم كفايتها ولكن المستقل سيكون افضل بإذن الله اذا تضافرت الجهود وخلصت النوايا، وتم تغليب المصلحة العامة على الخاصة وتم قبل كل هذا مراقبة الله عز وجل الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور