فاجعة فيضانات آسفي: حين يقتل التأخر والتقصير أكثر مما تقتل الطبيعة

15 ديسمبر 2025
فاجعة فيضانات آسفي: حين يقتل التأخر والتقصير أكثر مما تقتل الطبيعة
فاجعة فيضانات آسفي: حين يقتل التأخر والتقصير أكثر مما تقتل الطبيعة

نون بوست                                        عـــلــي الـــكـــــوري

فاجعة فيضانات آسفي: حين يقتل التأخر والتقصير أكثر مما تقتل الطبيعة

لم تكن فاجعة الفيضانات التي ضربت مدينة آسفي مجرد حادث طبيعي عابر، بل مأساة إنسانية مكتملة الأركان، راح ضحيتها 37 شخصا في ظرف زمني وجيز، لتتحول التساقطات المطرية من نعمة منتظرة إلى كارثة دامية. فحين يسقط هذا العدد الكبير من الضحايا، لا يعود النقاش محصورا في قوة الأمطار، بل ينتقل مباشرة إلى سؤال المسؤولية، والاستعداد، والتدبير، ومنظومة الوقاية التي ثبت فشلها الذريع.

المؤلم في هذه الفاجعة أن ما وقع كان متوقعا ، أو على الأقل كان من الممكن الحد من نتائجه. فالنشرات الإنذارية صدرت، والتحذيرات الجوية كانت واضحة، ومع ذلك ظل التعاطي الرسمي بطيئا ومرتبكا، إلى أن وقعت الكارثة وسقط الضحايا. بعدها فقط تحركت الاجتماعات الطارئة، وكأن الأرواح لا تستدعى حمايتها إلا بعد فقدانها.

إن عقد اجتماع طارئ بعد مرور نصف يوم على الفاجعة، وبعد سقوط 37 ضحية، لا يمكن اعتباره تدبيرا استباقيا، بل هو اعتراف غير معلن بالتأخر. فالاجتماعات، مهما بلغ مستواها، تفقد قيمتها حين تأتي بعد فوات الأوان، وحين تصبح مجرد رد فعل لاحتواء الغضب، لا وسيلة لحماية الأرواح.

تكشف فيضانات آسفي، مرة أخرى، عن هشاشة البنية التحتية بالمدينة، خاصة شبكات تصريف مياه الأمطار، التي تحولت في لحظات إلى نقاط اختناق ساهمت في غمر الأحياء والمنازل والشوارع. وهو وضع لا يمكن فصله عن سنوات من الإهمال، وغياب الصيانة الدورية، وضعف المراقبة التقنية للأشغال العمومية.

كما أعادت هذه المأساة طرح إشكالية التخطيط الحضري، حيث لا تزال أحياء كاملة تشيد في مناطق منخفضة أو قريبة من مجاري السيول، دون احترام حقيقي لمعايير السلامة. وعندما تتقاطع الأمطار الغزيرة مع عشوائية التعمير، تكون النتيجة دائما كارثية، ويدفع المواطن البسيط الثمن من دمه ومأواه.

ولا يمكن تجاهل ضعف ثقافة الإنذار المبكر والتواصل مع الساكنة. فالكثير من الضحايا باغتتهم السيول داخل منازلهم أو أثناء تنقلهم، في غياب توجيهات واضحة، أو تعليمات احترازية صارمة بإغلاق بعض المحاور أو إخلاء المناطق الأكثر عرضة للخطر. هنا، لا تكون الطبيعة وحدها مسؤولة، بل التقصير في التواصل واتخاذ القرار.

إن ما وقع في آسفي يطرح بإلحاح سؤال الجاهزية الترابية: هل تتوفر المدن على خطط حقيقية لتدبير الكوارث؟ أم أن الأمر يقتصر على وثائق مؤجلة واجتماعات موسمية لا تفعل إلا عند وقوع الفاجعة؟ فالوقاية ليست شعارا، بل منظومة عمل مستمرة، تبدأ قبل الأمطار ولا تنتهي بعد انحسارها.

التغيرات المناخية تزيد من حدة الظواهر القصوى، وهذا معطى لم يعد محل نقاش. لكن الخطير هو الاستمرار في تدبير المدن بنفس الأدوات القديمة، وكأن المناخ لم يتغير، وكأن السيول لا تعود كل بضع سنوات لتذكرنا بحجم الخلل. إن تجاهل هذا الواقع هو استهتار غير مباشر بحياة المواطنين.

وفي مقابل حجم المأساة، لا يمكن الاكتفاء ببلاغات التعزية أو تحميل المسؤولية للقدر. فدماء 37 ضحية تفرض فتح نقاش عمومي صريح، ومساءلة حقيقية لكل من قصّر في الاستعداد، أو أهمل صيانة، أو أخّر قرارا كان من شأنه إنقاذ أرواح.

إن العدالة في مثل هذه الفواجع لا تعني فقط تحديد المسؤوليات بعد الكارثة، بل تعني بالأساس ضمان ألا تتكرر. وذلك يمر عبر استثمارات حقيقية في البنية التحتية، وتفعيل صارم للنشرات الإنذارية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بعيدا عن منطق “كل شيء مر”.

فاجعة آسفي ليست رقما في نشرة أخبار، بل جرح مفتوح في الذاكرة الجماعية. وهي اختبار حقيقي لمدى قدرة المؤسسات على التعلم من الألم، وتحويل المأساة إلى نقطة انطلاق لإصلاح عميق. أما إذا تم التعامل معها كحدث عابر، فإن السؤال لن يكون: ماذا وقع؟ بل: من التالي؟

تقبلوا مرورنا…

هو رأي قابل للنقاش، قد يُصيب وقد يُخطئ، والغرض منه التنبيه وفتح باب التفكير الجماعي، لا الاتهام ولا المزايدة. فالمأساة أكبر من أي خلاف، واحترام الرأي يظل أساساً لأي نقاش مسؤول.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة