تحقيق صحفي من إنجاز : نعيمة أسباع وجامع سوسان، ضمن مشاركة مؤسسة المغرب العربي التأهيلية في مسابقة الصحفيين الشباب من أجل البيئة.
إشراف:ذ.زين العابدين الكنتاوي
التين الشوكي الباعمراني
النبتة التي ضمنت مستقبل أجيال ماضية، هل يصمد مستقبلها أمام القرمزية؟
في الصيف، يكون أكثرما يشد انتباه المارة تلك العربات التي تعرض فاكهة صيفية بامتياز، حيث لايكاد يغيب بائع عن شارع في مدينة مغربية، يتعلق الأمربالصبّار أو”التين الشوكي” أو”الأكناري” أو”الكرموص” أو “الهندية”… تتعدد التسميات وفق المناطق والجغرافيات، ويبقى المنتوج واحدا: فاكهة موسمية تنتشر بمناطق مغربية شتى بمساحات متفاوتة: الرحامنة، أيت باعمران، سوس… كما يتواجد كرافد فلاحي بكل من الحسيمة ودكالة وواد زم ونواحي الدار البيضاء.[1].
– الأكناري بأيت باعمران: ثروة هائلة وارتباط وثيق
l البداية والتسمية:
ما منطقة أيت باعمران، إلا واحدة من تلك الجغرافيات، اختارت لتسمية التين الشوكي مصطلح “أكناري”، نسبة إلى موطنه الأصلي (جزر الكناري) حيث تم استقدامه منه خلال سبعينيات القرن الماضي، وفق تصريح للأستاذ الباحث في هذا الشأن عبد الرحمان بوفيم، ليصبح نبتة تميز المنطقة، فلا أحد يزورها إلا ويدهشه حجم المساحات الشاسعة الكبيرة التي تغطيها نباتات الصبار الخضراء، فمنها يستمد السكان رزقهم، وبه ترتبط معيشتهم ومعيشة مواشيهم.
l الشهرة والانتشار:
ويكاد لا يخفى على أحد الشهرة الذائعة للصبار في مجال التجميل، إذ أنعصارته تستخدم بشكل رئيسي في بعض أنواع منتجات العناية بالشعر نظراً لفائدتهِ في تقوية بصيلات الشعر والحفاظ على نضارة الجلد عموماً، كما يمكن أن يستخدم علاجا لبعض الأمراض.
وفي هذا الجانب لعبت التعاونيات الفلاحية دورا فاعلا، إذ عملت على تصديره للسوق الوطنية والدولية، منوعة بين المربيات ومواد التجميل والتطبيب، والزيوت التي تعتبر الأغلى ضمن الزيوت الطبيعية.
l صحة وفوائد:
أما من الناحية الصحية، قال الدكتور هشام فنيش وهو طبيب التغذية بمستشفى ابن سينا: “وجد الأطباء أن ثماره تحتوي على المعادن المهمة التي يحتاجها الجسم كالكالسيوم والفسفور والحديد، كما تحتوي في 18بالمئة من وزنها على الأحماض الأمينية،كالأجنين، ميثيونين،لايسين، ثريونين وغيرها، وهي مصدر مهم للأحماض. وتغطي حبة واحدة من الثمرة حاجة الجسم ليوم كامل ،حيث تحتوي على مجموعة من فيتامينات(أ) و(ب1) و(ب2) و(ب12) و(س) و(د)، مايمثل 20 بالمئة من وزنها و12 بالمئة سكريات و2 بالمئة بروتينات.
lالباعمرانيون والأكناري: علاقة حب واكتفاء
وقبل كل هذا وبعده، تبقى العلاقة بين السكان هنا بأيت باعمران وبين أكناري علاقة وطيدة حميمية، حيث يعملون على توسيع زراعته، ويحرصون على أن لا تفسده الماشية التي يكتفون بإمدادها منه بما لا يؤثر عليه.
يقول أحد شيوخ المنطقة ويدعى الشيخ الحسن أسباع وهو رجل في الثمانين: “من يوم زرعنا الأكناري استطعنا أن نعيش وندبر أحوال حياتنا”. ويضيف:”لا يمكن أن نتصور حياتنا في هذه المنطقة بدون أكناري، إذ عليه نعوّل في تغطية ما نحتاجه ماديا، فمن خلال ثلاثة أشهر في الصيف يجني الفرد هنا ما به يعيش وأسرته بقية الأشهر الأخرى من السنة في انتظار الصيف القادم”. هكذا يعبر بّا حسن مستحضرا ذكرياته القديمة مع هذه الفاكهة، إذ يضيف أن الناس كانوا يستعينون بتجفيفها في الصيف، ليقتاتوا منها بقية الفصول.
إن أهل المنطقة ليسوا وحدهم من يستفيد، فما إن يحلّ الصيف حتى تكثرالشاحنات الكبيرة بشكل لافت، قادمة من مدن أخرى، إذ تعمل على نقل صناديق الصبار بكميات كبيرة من أيت باعمران لتوزيعها على الأسواق.
دعم استنبات الصبار:استراتيجيات للرفع من الإنتاج ومحاربة الفقر
تبلغ المساحة المغطاة بالصبار ما يقدر بـ 80 ألف هكتار حسب آخر الإحصائيات، بحيث تضاعفت لتصل هذا العدد بعدما لم تكن لتتجاوز 40 ألف سنة 2009، ولعل هذا التطور الكبير في المساحة، يعود بدرجة أولى لما أسلفناه سابقا من كونه مورد رزق مهم للساكنة، فضلا عن الخطط الاستراتيجية للقطاعات الوصية وبالأخص وزارة الفلاحة والصيد البحري. وهما عاملان أساسيان يكتملان مع عامل ثالث مهم متعلق بطبيعة المنطقة (المناخ والتربة) وملاءمتها لهذا النوع من الزراعة المستدامة.
ضمن هذا السياق، جدير بالذكرأن برنامج المخطط الأخضرالذي تبنته وزارة الفلاحة والصيد البحري تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، يضع في صلب اهتمامه دعامة أساسية وهي تنمية الفلاحة التضامنية الهادفة إلى محاربة الفقر بالعالم القروي، وهو ما استوجب دعم زراعة وتوسيع استنبات الصبّار، من خلال دعم الفلاحين الذين يتجاوز عددهم بالمنطقة 2700.و هذا يتقاطع في نظرنا مع الهدف الأول من الأهداف السبعة عشر البارزة للتنمية المستدامة(SDGS) التي حددتها منظمة الأمم المتحدة: القضاء على الفقر.
اتضح لنا إذن حجم ما يوفره الصبار من إيجابيات، لا بالنسبة للأفراد ولا بالنسبة للمؤسسات وكذا الاقتصاد الوطني.
بقي السؤال الملح: هل أكناري أيت باعمران في مأمن عن ما حل بنظيره في أماكن أخرى حيث أبادته الحشرة القرمزية ؟
– الأكناري ومعركة البقاء في وجه الحشرة القرمزية:
لم يعد يخفى على أحد ما يهدد هذا المورد الفلاحي والاقتصادي المهم من خطر مرعب، بسبب وباء الحشرة القرمزية، الذي أتى على مساحات هائلة من هذه النبتة بمناطق من المغرب، أ برزها منطقة دكالة حيث تم تدمير مايناهز500هكتار،
ومن خلال دراسة اطلعنا عليها تبين لنا أن ظهور الحشرة القرمزية كان أواخر 2014، ويتم تعريفها على أنها حشرة رخوة على شكل بيضوي تظهر على نبات الصبار على شكل كومات بيضاء تشبه القطن، وتؤدي لإتلافه ولا تسبب أي خطر على الإنسان أو الحيوان.
وحيث ينعدم أي مبيد حشري مرخص له وطنيا حسب بحثنا في الموضوع، فإنه من الصعب القضاء على هذا الخطر المهدد لحياة الذهب الأخضر ورزق فلاحيه. إلا أنه يمكن التفكير في حلول ناجعة للأمر، نقترحها وفق الآتي :
– حلول ومقترحات:
أ- التوعية والتحسيس: من خلال دورات تحسيسية وتكوينية لصالح الفلاحين.
ب- البحث عن أنواع صبارجديدة: نفترض أن البحث العلمي يمكن أن يفيد في تعديل الصبار الحالي ليتكيف مع هذه الحشرة.
ج- توسيع مجال الزراعة المستدامة: إن التركيز اليوم على زراعة أنواع أخرى من النباتات المستدامة البديلة، يمكن أن يكون حلا ناجعا في حالة فشل القضاء على القرمزية، بحيث تستمر الطبيعة في جودها للإنسان الباعمراني.