الملك محمد السادس يرسم ملامح المرحلة: من التشريع إلى الفعل الميداني…

11 أكتوبر 2025
الملك محمد السادس يرسم ملامح المرحلة: من التشريع إلى الفعل الميداني…
الملك محمد السادس يرسم ملامح المرحلة: من التشريع إلى الفعل الميداني…

نون بوست                                        علي الكوري 

كلميم :   خطاب الملك محمد السادس أمام البرلمان في افتتاح السنة التشريعية الأخيرة لم يكن عاديا في سياقه ولا في لغته. فقد جاء في لحظة سياسية دقيقة، ليعيد ترتيب النقاش العمومي حول الأولويات الوطنية، ويوجه رسالة واضحة للنخبة السياسية والبرلمانية: أن زمن الارتجال والشعارات قد انتهى، وأن الدولة تنتظر عملا ملموسا ونتائج قابلة للقياس.

أكد الملك أن هذه السنة تمثل محطة مفصلية في عمل المؤسسة التشريعية، داعيا النواب إلى التحلي بروح المسؤولية لاستكمال القوانين والبرامج المفتوحة، وعدم الانشغال بالمناورات الانتخابية. وهنا تظهر إرادة ملكية في إعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية كمجال للعمل الجاد لا كمنصة للتموقع السياسي.

في البعد السياسي، شدد الخطاب على أن الدولة لا تتحرك بمنطق الظرفية، بل وفق رؤية استراتيجية تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني. إنها إشارة قوية إلى استمرارية الدولة ووحدة القرار الوطني، في مقابل تشتت المبادرات الحزبية والانتخابية قصيرة الأمد.

أشاد جلالته بالدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، باعتبارها امتدادا للدبلوماسية الرسمية. وهي رسالة إلى القوى السياسية لتكون أكثر فعالية ومسؤولية في الدفاع عن القضايا الوطنية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم والمنطقة المغاربية.

من أهم ما ميز الخطاب الملكي تركيزه على التواصل مع المواطنين، عبر دور البرلمان والأحزاب والإعلام والمجتمع المدني في تأطير الناس وشرح القرارات العمومية. إنها عودة إلى جوهر السياسة: الوساطة بين الدولة والمجتمع، وإعادة ترميم جسور الثقة التي تصدعت خلال السنوات الأخيرة.

ربط الخطاب بين “المغرب الصاعد” وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، مؤكدا أن التنمية ليست شعارا موسميا بل خيارا استراتيجيا يجب أن يتجسد في السياسات العمومية. فالملك دعا إلى أن تكون التنمية الترابية شاملة ومتوازنة، تضمن تكافؤ الفرص بين كل جهات المملكة.

في قراءة دقيقة، يبرز الخطاب إرادة ملكية في إحداث تحول في عقلية التدبير العمومي، عبر اعتماد منطق النجاعة وربط المسؤولية بالمردودية. وهي دعوة لتجاوز البيروقراطية، والاستثمار الذكي في المعطيات الرقمية والتكنولوجيا، بما يجعل السياسات العمومية أكثر فعالية وأقل هدرا للموارد.

حدد الملك بدقة الأولويات المجالية المقبلة: النهوض بالمناطق الجبلية والواحات بسياسات مندمجة، وتفعيل قانون الساحل والمخطط الوطني للسواحل، ثم توسيع المراكز القروية لتقريب الخدمات من المواطنين. ثلاث ركائز تؤسس لرؤية متكاملة نحو “تنمية منصفة ومستدامة”.

في ختام الخطاب، دعا الملك إلى تعبئة كل الطاقات وتغليب المصلحة العليا للوطن. إنها دعوة صريحة لتحويل الخطاب إلى ممارسة، والنوايا إلى أفعال. فالرهان اليوم ليس في سن قوانين جديدة فقط، بل في إحداث أثر ملموس في حياة المواطنين، وهو التحدي الذي سيحدد ملامح المغرب في المرحلة المقبلة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة