
نون بوست علي الكوري
عرفت محطة الانتخابات الجماعية والتشريعية لسنة 2021 بجهة كلميم وادنون بروزا لافتا للشباب في المشهد السياسي، حيث فتحت اللوائح الانتخابية المجال أمام طاقات جديدة لقيادة المجالس الترابية والإقليمية والجهوية. هذه الخطوة اعتبرها الكثيرون بداية لعهد جديد، قوامه تجديد النخب السياسية وضخ دماء جديدة في المؤسسات المنتخبة، انسجاما مع الرغبة الوطنية في تعزيز المشاركة السياسية للشباب.
غير أن التجربة أبانت عن صعوبات جمة في التدبير العملي للشأن المحلي. فغياب التجربة الكافية لدى عدد من المنتخبين الشباب جعل بعض المجالس تدخل في متاهات “البلوكاج”، وهو ما انعكس سلبا على وتيرة التنمية، حيث تحولت العديد من النقاشات إلى صراعات جانبية استنزفت الوقت والجهد، بدل أن توجه إلى خدمة الساكنة وتحقيق المشاريع المنتظرة.
هذا التعثر لم يكن ناتجا عن غياب الكفاءة الفردية بالضرورة، بقدر ما كان مرتبطا بضعف التجربة السياسية وغياب القدرة على الترافع الفعال والتواصل المؤسساتي مع الشركاء والقطاعات المعنية. فالممارسة السياسية ليست مجرد مقعد انتخابي، بل هي فن التفاوض والتخطيط، والقدرة على بناء توافقات تذلّل العقبات وتسَرّع وتيرة العمل.
في عدد من الجماعات الترابية بالجهة، بدا واضحا أن قيادة المجالس من طرف وجوه شابة لم تواكبها إستراتيجيات واضحة أو خبرة كافية في التسيير، مما جعل برامج التنمية المحلية تتراجع أو تتوقف. وبالرغم من الطموحات الكبيرة التي رفعها هؤلاء المنتخبون في بداية ولايتهم، إلا أن غياب الرؤية المشتركة والتجربة الميدانية حال دون تحويل تلك الطموحات إلى منجزات ملموسة.
المجالس الإقليمية بدورها لم تكن في مستوى تطلعات المواطنين. فقد عاشت حالة من الجمود، واكتفت في كثير من الأحيان بأدوار محدودة التدخل، دون القدرة على بلورة مشاريع تنموية حقيقية أو شراكات قوية قادرة على تغيير واقع الأقاليم. هذا الوضع زاد من حدة الانتقادات، خاصة وأن الساكنة كانت تنتظر مبادرات تلامس حاجياتها اليومية وتستجيب لأولوياتها.
أما مجلس الجهة، الذي يُفترض فيه أن يكون قاطرة التنمية المندمجة، فقد أخفق بدوره في تقديم ما كان منتظرا منه. إذ لم ينجح في ترجمة الإمكانيات الكبيرة التي يتوفر عليها إلى نتائج ملموسة على الأرض. وهو ما جعل الجهة تخطو خطوات بطيئة، أقرب إلى حركة السلحفاة، في وقت تتطلع فيه باقي الجهات إلى تحقيق قفزات نوعية في التنمية والاستثمار.
لكن هذا التقييم لا يجب أن يُفهم كدعوة إلى إقصاء الشباب من الحقل السياسي، بل على العكس تماما، فهو تأكيد على أن التجربة ضرورية، وأن التكوين المستمر والمواكبة المؤسساتية عنصران أساسيان لإنجاح أي مشاركة شبابية. فالشباب يملكون الحماس والطموح، لكنهم يحتاجون في المقابل إلى أدوات وآليات تمكنهم من تحويل ذلك الحماس إلى سياسات عمومية فعالة.
إن تجربة 2021 بجهة كلميم وادنون تكشف درسا مهما: تجديد النخب لوحده غير كاف إذا لم يرافقه تأهيل، وتكوين، وتعاقد واضح مع الساكنة على برامج تنموية قابلة للتنفيذ. فالمستقبل السياسي للشباب رهين بقدرتهم على استخلاص العبر من هذه التجربة، وتصحيح الاختلالات، والانتقال من منطق الصراع السياسي العقيم إلى منطق البناء المشترك الذي يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.