نون بوست علي الكوري
مرة أخرى، تسجل جهات الجنوب أعلى معدل للبطالة على المستوى الوطني، بنسبة صادمة بلغت 25,7%، وفقا لأحدث معطيات المندوبية السامية للتخطيط. وتشمل هذه النسبة جهات كلميم وادنون، العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب، وهي مناطق تعد من أكثر الجهات التي استفادت من الميزانيات والمشاريع المعلنة تحت يافطة التنمية.
جهة كلميم وادنون تواصل تصدر مشهد البطالة للسنة الخامسة على التوالي، دون أن يظهر أي تحسن ملموس على أرض الواقع. مشاريع التهيئة التي تُعرض في الصور والبرامج الرسمية لم تترجم إلى فرص عمل حقيقية، لتبقى التنمية مجرد شعار مفرغ من مضمونه، تعيد إنتاج نفس أسباب الفشل.
أما جهة العيون الساقية الحمراء، التي طالما اعتبرت القاطرة الاقتصادية للجنوب، فقد لحقت بركب البطالة المرتفعة، رغم ما شهدته من تدخلات مالية وبرامج “تنموية” ضخمة. الساكنة، خصوصا الشباب، لا يرون في تلك المشاريع سوى أرصفة مُبلطة ونفورات تزين الساحات، فيما تغيب فرص التشغيل والاستقرار الاجتماعي.
وجهة الداخلة – وادي الذهب، التي كانت إلى وقت قريب تصنف من بين أقل الجهات من حيث معدل البطالة، شهدت صعودا مقلقا نحو المرتبة الثالثة وطنيا. وهو ما يكشف عن اختلال في الخيارات الاقتصادية المحلية، واستنزاف الثروة دون أن تترجم إلى رخاء شامل أو تشغيل فعلي.
هذه المعطيات تضع أكثر من علامة استفهام حول فاعلية النموذج التنموي المتبع في هذه الجهات، والذي يعتمد على البنية التحتية الظاهرة فقط، دون استراتيجية حقيقية لتعزيز الاقتصاد المحلي، أو تحفيز الاستثمار المنتج لفرص الشغل، خاصة لدى الفئات الشابة التي تمثل عماد المجتمع.
ورغم كل هذا، لا يزال الخطاب الرسمي يحتفي بمشاريع تجميلية محدودة الأثر، تفتتح بكثير من البروتوكول وتغلق سريعا بأقفال البطالة. يُبنى ملعب هنا، تهيا ساحة هناك، دون أي أثر اجتماعي حقيقي، مما يجعل التنمية في نظر العديد من المواطنين مجرد مسرحية تؤدى بأموال عمومية.
الأدهى من ذلك، أن بعض المسؤولين المحليين يُصرون على التغني بـ”المنجزات”، ويتباهون بتشييد فضاءات عمومية دون أن يلتفتوا إلى أن أولويات المواطنين اليوم هي الشغل، والكرامة، والعدالة الاجتماعية. فالمواطن لا يبحث عن نافورة، بل عن مورد رزق يحفظ كرامته واستقراره.
ختامًا، تُؤكد هذه الأرقام المقلقة أن الحاجة اليوم ليست إلى المزيد من الصور الترويجية، بل إلى تغيير جذري في فلسفة التنمية، يرتكز على التشغيل والإنتاج بدل الزينة والبهرجة. فلا تنمية حقيقية دون شغل، ولا استقرار اجتماعي دون عدالة اقتصادية مجالية.