نون بوست علي الكوري
توصي منظمة اليونسكو بضرورة توفير مكتبة عمومية واحدة على الأقل لكل تجمع سكاني يفوق 5000 نسمة، وهو ما يجعل من هذا المؤشر معيارا أساسيا لقياس التزام الدول بتنمية الوعي الثقافي لدى مواطنيها. وفي هذا السياق، سجّل تقرير للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2021 أن معدل عدد المكتبات بالمغرب يظل دون المستوى المطلوب، ولا يعكس الطموحات المسطرة في مشروع نجاعة الأداء المعتمد من طرف وزارة الثقافة.
وتتحمل وزارة الثقافة، حسب مرسوم اختصاصاتها، مسؤولية إحداث وتدبير المؤسسات الثقافية بمختلف أصنافها، من خلال برامج وطنية تنفَّذ بشراكة مع الجماعات الترابية ومؤسسات الدولة، من بينها المندوبية العامة لإدارة السجون. غير أن هذه الأهداف تصطدم في الواقع بطغيان المنطق الانتخابي، مما يؤدي إلى تحويل جزء كبير من الميزانيات المخصصة للبنية الثقافية نحو تنظيم مهرجانات سنوية وفلكلورية لا تحدث أثرا تنمويا ملموسا على الإنسان أو المجال.
بالأرقام، يبلغ عدد سكان جهة كلميم وادنون حوالي 448685 نسمة حسب الإحصاء العام لسنة 2024، وإذا ما تم اعتماد مؤشر اليونسكو المشار إليه، فإنه يُفترض أن تتوفر الجهة على ما لا يقل عن 89 مكتبة ونقطة قراءة. ويُقدّر نصيب إقليم كلميم بـ39، وسيدي إفني بـ20، وطانطان بـ18، وآسا الزاك بـ10 على الأقل، ما يعكس فجوة واضحة بين الواقع والمطلوب.
وفي هذا الإطار، يرى الدكتور مبارك أوراغ، المختص في السياسات الثقافية، أن الجهة تعاني من غياب رؤية شاملة لإحداث بنية ثقافية قوية ومندمجة، معبّراً عن استغرابه من استمرار تقليص الاستثمار في مؤسسات القراءة العمومية مقابل تمويل أنشطة موسمية لا تحقق أي تراكم معرفي أو تأثير مجتمعي. وأكد أن الرهان على بناء الإنسان لا يمكن أن يتحقق دون خلق شبكة قوية من المكتبات والخزانات العمومية.
ويشدد أوراغ على أن الدينامية الجامعية التي تعرفها الجهة تفرض التعجيل بوضع برنامج جهوي للقراءة العمومية، يواكب تحوّلات التركيبة الطلابية ويرتبط بشراكات حقيقية مع المجالس المنتخبة والجامعة والقطاعات المعنية. كما نوّه إلى أن الشباب في الجهة، خاصة في المناطق النائية، لا يجدون أي فضاء للقراءة أو التحفيز المعرفي، مما يعمّق الفوارق الثقافية ويغذي الإحباط الجماعي.
وفي ختام تحليله، يتساءل الدكتور مبارك أوراغ: كم هو عدد الخزانات ونقط القراءة المتوفرة فعليًا اليوم بأقاليم الجهة؟ وهل تمتلك المديرية الجهوية للثقافة مع المجالس الترابية تصوّرا حقيقيا لإحداث شبكة قراءة عمومية منسجمة؟ أم أن منطق الموسمية والفلكلور سيظل مهيمنا على المشهد الثقافي بالجهة، في غياب أي تقييم علمي أو مساءلة مجتمعية؟