كلميم واد نون:جهة المال والبنون

23 مارس 2019
كلميم واد نون:جهة المال والبنون

 

 

محمد أنفلوس

 

كان تشرتشل يقول: «إن أول ضحية تسقط في الحروب هي الحقيقة

 

سنحاول في هذه المقالة الاقتراب  من قراءة ما يحدث في جهة كلميم واد نون. وهو اقتراب بطعم المغامرة  ،فقد سكت عن الخوض فيه  الكثيرون، وانتصر فيه العديدون لطرف على حساب طرف اخر، وتناسلت فيها تدوينات وتعليقات حد التجريح والقذف  .الا ان  التحليل الموضوعي يجعلك في مواجهة حارقة للنبش المتعب لتفسير ما حدث، وللبحث في أسباب ما حدث.
رهان الدولة على جهة كلميم واد نون

تزعم  الدولة  ان رهانها على جهة كلميم واد نون يمكن تلخيصه في هدفين رئيسيين، الأول هو تثبيت الديمقراطية المحلية و الثاني هو تشجيع التنمية المحلية. إلا أن تحقيق هاتين الغايتين اصطدم  بمرور الوقت مع اسئلة كبرى:
هل يمكن الحديث عن ديمقراطية محلية في ظل غياب نخبة سياسية جهوية ذات رؤية وقدرة ؟ وهل يمكن تحقيق تنمية جهوية في ظل تقسيم اداري غير مقنع لجهة شاسعة جغرافيا وفقيرة تنمويا ؟ الا يمكن اعتبار جهة واد نون ،والجهات الثلاث للصحراء عموما، خطوة  جيواستراتيجية أكثر منها تدبيرية لأن من خلالها سيبرهن المغرب على جرأة ديمقراطية  متماهية مع مقترح “الحكم الذاتي” ؟كيف يمكن تعبئة استثمارات عمومية تقدر بحوالي 140 مليار درهم لجعل الأقاليم الجنوبية مدارا محوريا بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، في غياب حكامة تفويضية ترتكز على منح نوع من “السيادة” لمجلس الجهة ليصبح بديلا ترابيا للدولة في تدبير الشأن المحلي؟

هذه الأسئلة وضعت جهة كلميم وادنون امام حقيقة كبرى وهي إما أن تكون جهة راشدة  تتصرف بما يمليه عليها المكان والمكانة، وإما أن تصغر وتتعامل باعتبارها جهة  قاصرة ،محدودة الإمكانات وفارغة الهمة.

جواب هذا السؤال جاء بعد سنة ونصف على لسان الرئيس “الموقوف “عبد الرحيم بوعيدة في تدوينة بعنوان” متى يعلنون وفاة جهة كلميم واد نون؟”حيث يصرح “وفاة جهة كلميم واد نون لم تكن مفاجأة، فقد دخلت في غيبوبة منذ ما يزيد عن سنة ونصف دون أن تقدم لها الجرعة المناسبة لتتعافى، ودون حتى أن يتم تشخيص طبيعة المرض الذي جعلها تُصاب به بين كل جهات المملكة “ويضيف”

جهة توفت ودفنت دون عزاء.. دون مشيعين، وجميعنا ساهمنا في كتابة شهادة وفاتها دون استثناء حتى بالصمت العاجز عن الكلام”.”

لا يستقيم الظل والعود أعوج

في البداية كانت المعركة الانتخابية بجهة كلميم واد نون مسلية: صور وملصقات ملونة وشعارات رنانة وأبيات شعرية و«لوائح» لكل الاذواق مثل المطاعم الكبرى. ولكن مع مرور الوقت ابتدأت معركة كسر العظام بين القوى الاساسية في الجهة.

من جهة عبد الوهاب بلفقيه رئيس بلدية كلميم العصامي الذي يقول عنه أعداؤه انه اغتنى جراء تسييره للمجلس البلدي واستقوائه بما راكمه من وسائل شراء النفوذ .

ومن جهة ثانية عبد الرحيم بوعيدة الاستاذ الجامعي المنحدر من أسرة رأسمالية، والذي سبق ان ترشح شيوعيا  سنة 2011 باسم التقدم والاشتراكية  في كلميم،لكنه فشل .فانتقل إلى حزب التجمع الوطني للأحرار.

منذ البداية الامر تكالبت “معارضة” داعمة لبوعيدة ضد بلفقيه و مكونة من أحزاب لا يربط( بعضها وليس كلها ) بشعار محاربة الفساد إلا سعيها للفوز بنصيبها من هذا الفساد.

فتم استغلال أي كارثة تقع بالمدينة أو الجهة (الفيضانات، احتراق الشاحنات) لتوجيهها ضد رئيس المجلس البلدي الذي بلغت مواجهة هذه “الأحزاب” له حدود شيطنته، وايهام سكان الجهة  أن قطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيتحرك بمجرد إزاحة بلفقيه من كرسي البلدية.

ووصل الصراع ذروته مع تعيين الوالي الحضرمي وادعائه القدوم لمحاربة الفساد واجتثاث رموزه بالمدينة . واشتد لهيب  الاحداث مع تنقيل الحضرمي مما جعل خصوم بلفقيه يخرجون في سابقة من نوعها في المغرب احتجاجا على قرار الدولة اقالة من يمثلها في الجهة ،بل اصبحوا يدعون أن وزارة الداخلية والأمن الوطني وكل جهاز الدولة خاضعة لرغبات بلفقيه

وحتى عندما  كان وزير الداخلية، محمد حصاد، يخطب في حفل تنصيب الوالي الجديد  في كلميم،وسط حراسة امنية مشددة، وجاء على ذكر محاربة الفساد والتحلي بالنزاهة، قاطعه أحد  المنتخبين الذي ينتمي إلى المعارضة، وقال له: «إن الوالي الحضرمي حارب  الفساد»، فرد وزير الداخلية عليه قائلا:”كل شيء سيأتي في وقته.. ثقوا في  دولتكم”.

مواطنون وليس أبناء قبيلة 

ولحسم الصراع  انتخابيا استعمل الطرفان أكثر الوسائل خطورة وهي النعرة القبلية ، وبلغ الكلام العنصري  مستوى لم يعرفه من قبل . فقد صوروا  رئيس المجلس البلدي على أنه وافد على المدينة وأن العظمي وبعده كل المرشحين لهزيمته انتخابيا، على أنهم من واد نونيون أقحاح “.”

عكس “عبد الوهاب الشلح” القادم من جبال ايت باعمران.. وبلغت العنصرية من طرف المشاركين المباشرين في الحملات الانتخابية مبلغ تفضيل فاسد صحراوي على فاسد “شلح”.واعتقد الناس البسطاء ان الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية مباركة بوعيدة هي وكيل لائحة لسمعتها وخؤولتها بسيدي افني الاقليم الوافد الجديد.

وفي الجهة المقابلة  لم يتردد ممثل حزب “القوات الشعبية” على استغلال نفس السلاح والنعرة المضادة، وعمل أنصاره سواء في الواقع أو على شبكة التواصل الاجتماعي على إذكاء النعرة القبلية البعمرانية. بل وصل به الامر الى وضع أخويه على رأس اللوائح الانتخابية  بكل من افني وكلميم باسم  حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .الا انه لم يصرح ابدا بشكل مباشر وشخصيا بهذه النعرة احترما لحلفائه في طانطان أواسا وحتى كلميم.

وكان فاقعاً ومضحكاً تبادل التهم  بين الطرفين باستعمال المال الانتخابي، لأنك بدل أن تحتار مَن مِن الطرفين تصدق ، يكون الحل في أن تصدقهما معاً. وبكل ضمير مرتاح.

 

كل شيء جيد إذا انتهى بشكل جيد

 

انتهت الانتخابات بشكل جيد بالنسبة لوزارة الداخلية، وكل ما استعملته لبلوغ تلك النتيجة أدى دوره بفعالية . تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي ب12 مقعدا من أصل 39 مخصصا للمجلس، مقابل 8 مقاعد لفائدة التجمع الوطني للأحرار، فيما حصل حزب الأصالة والمعاصرة على 6 مقاعد، والعدالة والتنمية على 5 مقاعد والاستقلال على 4 مقاعد، وحزبا الحركة الشعبية والإصلاح والتنمية على مقعدين لكل منهما.

وفيما اعتقد الكل ان رئاسة الجهة تتجه الى عبد الوهاب بلفقيه عن الاتحاد الاشتراكي الا ان حزب التجمع الوطني للأحرار تمكن بمرشحه عبد الرحيم بن بوعيدة من إزاحة منافسه بعد تحالفه مع أحزاب العدالة والتنمية والحركة الشعبية والإصلاح والتنمية واستمالة بعض أعضاء حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة

وقد سجلت عملية التصويت انشقاقات “هتشكوكية” داخل الأحزاب، حيث نجد أن أصوات نفس الحزب توزعت على المرشحين الإثنين.ولم يتم احترام التحالفات الوطنية بين الاحزاب وعرفت ليلة انتخاب رئيس الجهة الكثير من الكر والفر.

فاز بوعيدة برئاسة الجهة بفارق صوت واحد، لكن بلفقيه حسم انتخابات الغرف المهنية وحسم أيضا المجالس الإقليمية والمجلس البلدي لمدينة كلميم ومجلس بلدية بويزكارن إضافة إلى حصد أزيد من 50 في المئة من مقاعد باقي الجماعات.حصل بلفقيه على 47 ألف صوت فيما حصل الاحرار على 22ألف.

بوعيدة رئيس الجهة “الفريدة”

 

في انتظارصدور كتاب الرئيس بوعيدة “مذكرات رئيس جهة فريدة”  والذي يقول عنه “رصدنا من خلالها قراءة كل الأحداث التي ميزت هذه المرحلة سواء في علاقتها بالفرقاء السياسين المباشرين أو غير المباشرين أو علاقتنا مع المحيط العام الرسمي منه أو الشعبي وانتهاء بتوقيف الجهة وماصاحبه من مشاورات على مستويات مختلفة، وكذا موقف حزب التجمع الوطني للأحرار من التوقيف ومنا..”.

 

في انتظار ذلك ان حصل فان تجربة “وفاة” مجلس جهة كلميم وادنون أبانت عن خلل تدبيري منذ بداياتها :عدم احترام المنهجية الديمقراطية كما تعرفها الادبيات السياسية مما أسفر عن تفكك واضح المعالم على مستوى الأغلبية أدى بتهشمها عند  اول منعطف ، وأفرزمعارضة  شرسة لم تنظر إلى نفسها بأنها معارضة وحسب، وإنما إعتبرت مسألة التسيير أمرا قد سلب منها بطريقة أو بأخرى.

لقد كانت سنة ونصف كافية لتتضح صعوبة التمرين الديمقراطي بخصوص إدارة وتدبير علاقة القوى والنخب السياسية بجهة كلميم والمنتمية إلى مجالات قبلية وحزبية لم تستطع معه إيجاد المشترك الذي تشتغل عليه.

يقول المثل الفرنسي: «لا تطلق النار على سيارات الإسعاف».. إنها أخلاق الحرب، عسكرية كانت أم سياسية،ربما هذا ما يفسر الصمت المربك الذي لاذت به المعارضة وزعيمها بلفقيه منذ اعلان وزارة لداخلية توقيف المجلس فلا تصريحات ولا تدوينات ولاهم يحزنون.

سألت مرة الرئيس عبد الرحيم بوعيدة عن صراعه مع عبد الوهاب  بلفقيه فأجابني”انه ليس شخص واحد انه منظومة”

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة