العيون بين صخب “الكوبات” وعطش الخدمات.. معاناة ساكنة تبحث عن الماء والسكينة

26 أكتوبر 2025
العيون بين صخب “الكوبات” وعطش الخدمات.. معاناة ساكنة تبحث عن الماء والسكينة

نون بوست                                                  علي الكوري

من يزور مدينة العيون اليوم، سيبهره جمالها العمراني وتطورها السريع الذي يضاهي كبريات المدن المغربية. شوارع واسعة، ساحات أنيقة، ومساحات خضراء تنبض بالحياة. غير أن خلف هذا المشهد الحضري المتألق، يختبئ واقع آخر أكثر إزعاجا: صهاريج المياه، أو ما يسميها السكان “الكوبات”، التي تجوب الأحياء يوميا بضجيجها وصوت محركاتها، لتصبح عنوانا بارزا لهشاشة خدمات الماء بالمدينة.

لم تعد “الكوبات” مجرد حل استثنائي لتجاوز أزمة مؤقتة، بل تحولت إلى جزء من الحياة اليومية، تسمع هديرها في مختلف الأزقة والأحياء في كل الأوقات، دون أي تنظيم أو احترام لفترات راحة السكان. هذا المشهد المزعج يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى احترام أصحاب هذه الشاحنات لدفتر تحملات يحدد أوقات عملهم وشروط السلامة، في ظل غياب واضح للرقابة من السلطات المحلية، التي تبدو متسامحة مع فوضى تهدد راحة المواطنين وحقهم في بيئة هادئة.

وراء هذه الفوضى تكمن أزمة أعمق، إذ يرى مراقبون أن انتشار “الكوبات” يعكس قصور شبكة التزويد العمومي بالمياه عن مواكبة النمو العمراني والسكاني المتسارع في المدينة. فالسكان لا يختارون الاعتماد على الصهاريج طوعا، بل يُجبرون على ذلك بسبب ضعف الصبيب أو الانقطاعات المتكررة، ما يحول الماء من خدمة أساسية إلى عبء يومي يتطلب جهدا وتكلفة إضافية.

ولم تقتصر معاناة الأسر على الضوضاء فقط، بل امتدت إلى الجوانب المالية والصحية. فالكثير من العائلات أصبحت تؤدي “فاتورتين”: واحدة لخدمة عمومية غير مستقرة، وأخرى لمياه تسعّر بحرية دون أي تقنين أو مراقبة. الأخطر من ذلك أن جودة هذه المياه تبقى محل شك، إذ لا تخضع الصهاريج في كثير من الأحيان لتعقيم دوري أو مراقبة صحية تضمن خلوها من الملوثات، ما يجعل صحة المستهلك في مهب المخاطر.

وفي هذا السياق، عبّر عبد الناصر المويسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك، عن قلقه العميق من استمرار هذه الظاهرة، مؤكداً أن نقل المياه بهذه الطريقة يعرض حياة المواطنين لخطر البكتيريا والطحالب والمواد الكيميائية الناتجة عن الخزانات غير المطابقة للمعايير. وأضاف أن ضعف المراقبة على مصادر المياه — وغالبا ما تكون آبارا غير مرخصة — يفتح الباب أمام الغش التجاري واستغلال حاجة الأسر للماء.

وأمام تفاقم الوضع، أعلنت الجمعية المغربية لحماية المستهلك عن إطلاق حملات تحسيسية وتقديم مراسلات رسمية لجماعة العيون ووالي الجهة، مطالبة بتشديد الرقابة على عمل الصهاريج وتنظيم أوقات تحركها، مع فرض تراخيص صحية صارمة وتحاليل دورية للمياه. كما شددت على ضرورة دعم الفئات الهشة وإصلاح البنية التحتية للماء الشروب لضمان خدمة عمومية عادلة وآمنة.

ويبقى السؤال الكبير معلقا في سماء العيون: إلى متى سيظل هدير “الكوبات” يغطي على أصوات المواطنين المطالبين بحقهم في ماء نقي وراحة مستحقة؟ أليست مدينة تنافس كبريات الحواضر المغربية جديرة بشبكة ماء تليق بمستواها التنموي؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة