حين يفضحنا الشعراء..(1)

26 يناير 2020
حين يفضحنا الشعراء..(1)

لم يكن عمرو بن كلثوم انسانا عاديا..فقد كان شاعرا. والشاعر أبدا ليس بعادي،رغم ما نتوهمه في واقعنا هذا الذي نستسهل فيه كل شيء.. ونتوقع فيه أن نكون شعراء بضغطة زر أو بلمسة شاشة في هاتف!
بيئة بن كلثوم ،وغيره من شعراء الصحراء العربية، كانت قاسية و صعبة التحمل و قاتلة للنعومة صانعة للخشونة..لذلك،أبدع هؤلاء شعرا يصعب أن “نعارضه”(أي نقول مثله) و ننسج على منواله مثلما نفعل يوميا في حياتنا الناعمة هذه..
فهل تتوقع يوما أن تقذف في وجه خصم أو مواجه لك بمثل البيت القائل فيه : ألا لا يجهلن أحد علينا# فنجهل فوق جهل الجاهلينا.. ؟
حتما لا نستطيع.. فجهلنا (أي غضبنا) هو غضب أقرب للوصف بكونه افتراضي..بينما غضب الشاعر القديم نذير ووعيد حقيقي صارخ في بيئة الصحراء،صادح بالصدق و الحياة غير متخف وراء حاسوب أو نص أو تعليق أو مادة وفصل! إنه معبر عن تحذير حقيقي لخصوم قبيلته إن فكروا في الحرب ، أو التجاوز عليها..لكنه غضب و “جهل” حقيقي غير مزور، حي، ودائم في إحساس الشاعر به..فهو “يعيشه” جزءا ضروريا من حياته ولا يحيا دونه..إنه تفصيل من تفاصيل شخصيته وليست مجرد قناع…
لذلك، فإن أعذب الشعر دائما أصدقه..لكننا، وحين بدأنا نعيش الشعر مفصولا عن الحقيقة ، وغير معبر عن حقيقة المشاعر و الوقائع و حقائق شخصيتنا الفردية و الجماعية، صرنا نحب الزائف من القول باعتبار أن أصدق الشعر أكذبه!
فهل ترى شعر بن كلثوم و قدرته على فضح حياتنا “الافتراضية” بعد آلاف السنين؟!!

محمد المراكشي،
مع التحية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة