
إن ما نحتاجه اليوم وقبل كل شيئ هو تأسيس حقيقي لشخصية اعلامية صحافية أخلاقية…تعتبر الحق هو منطلق القلم وجره، شخصية إعلامية تنطلق من خلال التأهيل والتدريب على الأخلاقيات المهنية، ما يخول للصحافي والإعلامي تقدير متى يجب أن يعطي الخبر وكيف يوصل الرسالة بدون زيادة أو نقصان او استعمال مكياج إعلامي لتزيين الخبر .
فلا عمل للسياسة بدون إعلام حر ونزيه. ولا عيش واستمرار للإعلام إلا في كنف السياسة. هذا بشكل عام، ولا يجتمع الاثنان إلا وتظهر التناقضات القيمية والنوعية كثالث لهما. كلاهما يزيد ويبالغ.. . السياسة تبحث وتحتاج إلى إعلام يساعدها ويتماشى معها في نفق واحد، تحتاج الى اعلام يساعدها ويوجه الرأي العام نحوها، تحتاج لمن يمجد لها ويتفق معها لا يخالفها.
هنا الإعلام بدوره لا يختلف عن السياسة، كإعلام ينقل أحداث السياسة ويغطي كل كبيرة وصغيرة، ينقل المستجدات ويعرض الأراء …لكن في كثير من الأحيان نصطدم بإعلام موجه كما هو الحال بأغلب القنوات التابعة لسياسة الرئيس او لتوجه الدولة وسياستها.
ولم يكن مستحيلا كذلك أن تشترك السياسة والإعلام في حلقة واحدة هي الميل إلى المبالغة والكذب احياناً. فما إن يجتمع الاثنان حتى تصاحبهما المبالغة ويحضر الشيطان ثالثهما. فكلاهما يقوم بالتبليغ. ولا تبليغ بدون مبالغة. وعلى سبيل الحصر قد يرسل السياسي للمتلقي او الشعب برنامجه السياسي وما لديه من خطط وبرامج يستهوي بها المتلقي وغالبا ما تكون خطط احتيالية وتدليسية وتحمل شيء من الصدق والكذب! وكثيرا ما يبالغ السياسيون عندما يعدون بأن خططهم ستحقق أكبر عائد وأن سياساتهم ستجعل الوطن أكثر أمناً وتطوراً. مثال على ذلك ما يعد به منتخبي مدينة طانطان الساكنة دون تحقيقه كزيادة البنيات التحتية، وانشاء مصانع للعمل، وتجهيز الفضاءات والمستشفيات.
كما تعتبر اكبر مبالغة انكشف فيها واقع الإعلام والسياسة هي مبالغة وزراء لبنان، ومنذ العام 1996. كل يعد بكهرباء 24/24 خلال فترة تربعهم على عرش الوزارة، ولم يتحقق هذا الا بعد عقدين من الزمن.
والمبالغة ليست بالجديد في عالم السياسة، وهي واضحة وضوح الشمس في مدينتنا ومنطقتنا العربية عامة. اعتدنا أن نسمع من الساسة والإعلاميين كلاما أما ممزوج بالمدح أو المبالغة أو الكذب أو القدح… كثيرا ما يمدح منبر اعلامي سياسي معين ويصورها كانتصارات مذهلة وقد يكون السياسي قد قام بمجهود صغير وساعده الإعلامي بجهد أكبر في التشهير به.
لطالما قرأت منابر إعلامية متعددة كل وخطه التحريري الذي لا أناقشه فيه، لكن عيب في زمن انقضى فيه الجهل أن يكون الصحافي جاهلا، عيب في هذا الزمان ان يمجد صحافي فلان أو فلان لشخص او مسؤول أو تيار معين ويصور الأحلام للمتابعين، أحترم كل الأراء وكل المنابر الإعلامية لكن ليس موضوعيا ان يمارس الصحافي مهمة السياسي ويصبح بوقا له يمدحه أو يبالغ في السياسة ، هي مسلكيات ومتاريس إعلامية تخدم المصالح السياسية والطائفية لمرجعياتها بمعزل عن المهنية والموضوعية.
اننا اليوم نحتاج أولا وقبل كل شيئ لإعلام حر ونزيه، لا يميل هنا أو هناك ولا تحركه هواتف أو مبالغ مالية، نحتاجه اليوم في مدينتنا على سبيل الحصر (الطانطان) لإعلام صادق وصحافة شفافة لأننا نعيش في زمن ملبد بالحقائق غير المكتملة والملوثة. فبدون التخلص من جرعات المبالغة السياسية والإعلامية الزائدة يصعب الوصول إلى صورة دقيقة وواضحة. فنصف ما تقدمه السياسة ويطرحه الإعلام مليء بالمبالغة أما النصف الآخر فيحتاج إلى مزيد من التحري والتدقيق…