
عندما انهار جدار برلين، تفكك الاتحاد السوفياتي في يوم واحد. كان أول ما فعله بعض حلفاء الاتحاد السوفياتي هو الانضمام سريعا إلى حلف «الناتو» بعد عقود في حلف «فرصوفيا».ما يحدث في جهة كلميم هو أصغر من هذا ولكنه يشبهه الى حد بعيد ..سقط جدار برلين،الفاصل الرمزي بين معسكرين متناقضين ،فذاب نصف قرن في لحظة ،مثل بدرة حليب «نيدو»: سريع الذوبان.
في جمعة “البنين” (اليوم الذي انهزم فيه المنتخب الوطني ضد فريق البنين) صوت 33 عضو من المجلس الجهوي على مباركة بوعيدة رئيسا جديدا للجهة .كان هذا اليوم بمثابة اعلان رسمي على انهيار جدار من الخلافات والصراعات والاصطفافات في معركة تكسير العظام التي ذاب لهيبها مع دخول مباركة بملحفتها الزرقاء وبلفقيه بجلبابه الرمادي يتبعهما العربي اقسام بطربوشه المخزني الاحمر .
تصافح شرق الجهة مع غربها وتناولوا الحلوى وكؤوس الشاي وهم يتبادلون المجاملات والابتسامات تحت الرعاية الرسمية للوالي أبهي الذي احتضن مقر ولايته هذا الاجتماع بدل مقر الجهة الفارغ منذ سنة ونيف.كانت اللحظة أشبه بالاغنية الشعبية (هنا طاح اللويز و هنا اللعبو عليه) فقد ذابت الخلافات التي أوقفت الجهة لسنتين كأنها لم تكن.
كم تبدو الاشياء غريبة عندما تتحول الى تاريخ..
وبالرجوع الى التاريخ سنكتشف ان الوزيرة مباركة ورثت كرسيا ظل لسنوات ماركة مسجلة لال بوعيدة .فمنذ الراحل عمر بوعيدة،رحمه الله، القيادي بالتجمع الوطني للأحرار و البرلماني أنذاك عن إقليم طانطان ،و القادم من إحدى الجماعات القروية بأصوات تقدر ببضع عشرات فقط، هو في نفس الوقت ابن عم الرئيس عبد الرحيم (المستقيل بخط يده وغير مستقيل بعظمة لسانه) و هو ايضا نجل علي بوعيدة أول عامل على إقليم طرفاية الذي دخل البرلمان منذ 1977 إلى أن سلم المقعد الى ابنه .وهنا قد نفهم لماذا تتخلى وزيرة عن كرسيها الوزاري الوثير لتجلس على كرسي أصغر ولكنه محسوب على عائلة راسخة في تضاريس الصحراء سياسيا وقبليا واقتصاديا. وسيزيد من وضوح الفكرة تدوينة الرئيس ،المستقيل بخط يده والغير مستقيل بعظمي لسانه، حين كتب (أرفض أن تكون ابنة عمي بديلا عني، إذ لا يمكن أن نكون عائلة تؤثت المشهد فقط، لا يجب أن يكون هناك تبادل للأدوار خارج السياقات الديمقراطية)
وحتى الذين عايشوا المرحوم علي بوعيدة لا زالوا يتذكرون كيف كانت تمر الانتخابات ، و يتذكرون النزال المعروف على المقعد الوحيد بمجلس النواب المخصص لطانطان بين عمر بوعيدة بلونه الأزرق و ابن عمومته محمد جلطي بكار باللون البرتقالي و كيف تدخلت السلطة و ألغى القضاء الانتخابات لتعاد و يفوز بها عمر بوعيدة وسط اشتباكات بين أنصارالطرفين. وعندما جاءت انتخابات 2011 في ولايته الثالثة ،لم يترشح باسم حزبه لحسابات لا يعرفها إلا الضالعون بخبايا الأمور، ليفاجأ الجميع سنة 2012 بعدم ترشحه لرئاسة الجهة ،يقول المقربون منه انه اعتقد أن الانتخابات الجهوية و الجماعية ستنظم في نفس السنة، الأمر الذي استغله عبد الوهاب بلفقيه ل”يهندس” مكتبا برئاسة لحبيب نازومي و يصبح الرقم الصعب بالجهة دون أن يتخلى عن رآسته لبلدية كلميم.
تتمة الحكاية معروفة.. فقد رأينا كيف عاد كرسي الجهة الى ال بوعيدة رغم حصول الماكينة الوهابية على ضعف أصوات الجهة وكيف دخلت واد نون الى مرحلة البلوكاج لنفس السبب وكيف اوقفت الداخلية المجلس لسنة كانت كافية ليفهم الكل ان مرحلة عبد الرحيم بوعيدة قد ولت بدون رجعة وحتى تدويناته الاخيرة ،للاسف ،حوّلته من خاسر عادي إلى خاسر مُهان.
اليوم مازالت الجهة عالقة في منطقة رمادية وهي بحاجة إلى أن تأخذ نفسا عميقا لتعيد ترتيب توازناتها في ظل نظام “جهوي “جديد، أعلنت فيه العدالة والتنمية تموقعها في المعارضة وأصبح فيه حزب الاصالة والمعاصرة تائها بسبب خروج المتوكل من المعادلة وجاءت تشكيلة المكتب الجديد أقرب الى مشهد سوريالي في لوحات بيكاسو، العين في الفم والأذن في الركبة.
ان أهم الدروس التي تمنحنا جهة واد نون أن أساس التغيير هو تغيير المؤسسات لا الأشخاص، وبناء منظومة حكم لا تجور فيها سلطة على أخرى.فالنظام الديمقراطي هو الة تعمل أوتوماتيكياً بوظائف محددة، أياً كان الشخص الذي على رأسها، حتى وإن كان أبلها أخرقا.
يروي جورج بوش، في مذكراته، أنه قال للرئيس الصيني إن الأمر الذي يؤرقه طوال الليل، هو وأعضاء إدارته، الخوف من تكرار 11 سبتمبر في أميركا. ثم تطلع إلى الزعيم الصيني وسأله: وأنت.. ما الذي يجعلك لا تنام الليل؟ قال: العثور على أعمال لخمسة وعشرين مليون صيني.. نتمنى من الرئيسة الجديدة ،وهي سابقة أن ترأس امرأة احدى جهات المملكة ناهيك عن جهة بهذا الارث الثقيل المنهك ،نتمنى أن يؤرقها أن ينام الواد نوني من دون عشاء وألا يجد الابن مدرسة يذهب إليها وأن يبقى الزوج في البيت، لا عمل يذهب إليه.