الاساتذة المتعاقدون .. محاولة للفهم

16 أبريل 2019
الاساتذة المتعاقدون .. محاولة للفهم
الاساتذة المتعاقدون .. محاولة للفهم

 

الاساتذة-المتعاقدون-..-محاولة-للفهم

تقف سلوى حائرة أمام خانة توقيع صفتها الادارية بالمدرسة، هل توقع باعتبارها أستاذة أم أستاذة متعاقدة أم أستاذة فرض عليها التعاقد أم اطار الأكاديمية الجهوية؟

فمنذ تطبيق المغرب لمبدأ التعاقد في وزارة التربية الوطنية، انقسم الأساتذة إلى صنفين: أساتذة رسميون وأساتذة متعاقدون.
في البداية كان عدد الأساتذة المتعاقدين قليلا بالمقارنة مع الرسميين، ولكن حين وصل العدد إلى 55 ألفا انتظم هؤلاء تحت يافطة تنسيقية وطنية رافضة لصفة “الأساتذة المتعاقدين” واستبدلوها بصفة “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”؛ وكان مطلب التنسيقية الوحيد هو إلغاء التعاقد.

مصدر حيرة سلوى أنها من الجيل الأول للأساتذة المتعاقدين. منذ ثلاث سنوات اجتازت مبارة رسمية وهي تزاول عملها بجدية وتعترف أنها وقعت بنفسها عقد الشغل مع الأكاديمية الجهوية التي تشتغل بها.

ولكن زميلها محمد الذي اشتغل حديثا يدعوها إلى الإنخراط في نضالات التنسيقية مدعيا أن العقد الموقع بينها والأكاديمية هو “عقد اذعان” ويضيف مازحا حتى المغرب وقع معاهدة الحماية مع فرنسا وبعدها ناضل من أجل الاستقلال.

انخرطت سلوى في نضالات التنسيقية وهي إلى اليوم لم تلتحق بقسمها وبقي تلامذتها منذ شهر تقريبا بدون مدرس والامتحانات على الأبواب والسلطة تقمع احتجاجات التنسيقية والوزارة ترفض الحوار والافق بدون مؤشرات انفراج.

مبررات وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحت العلمي
يبدو من خلال الندوات الصحفية والبلاغات المتتالية ان وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي مصممة على تمرير نظام التعاقد وغير مستعدة للتنازل عنه رغم الورطة الكبيرة التي سببتها التنسيقية الوطنية للاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد التي أفرغت اقسام المؤسسات التعليمية من اساتذتها لازيد من شهر . وقد اعلنت الوزارة من جهتها عن مجموعة من الإقتراحات التي تبنتها الحكومة المغربية و التي ترمي الى الأخذ بعين الإعتبار مفهوم “الجهوية الموسعة” كسياسة استراتيجية للدولة ، و تبنيه على مستوى قطاع التعليم يتماشى مع السياسة “التنموية و اللاتمركز الاداري” للدولة.

و يتم بمقتضى هذه السياسة منح جميع الإختصاصات للأكاديميات الجهوية للتعليم سواء فيما يخص التدبير المالي أو التصرف في الموارد البشرية و توظيفها على مستوى الجهات بدل الإدارة المركزية، وهو ما تجسده الوضعية الحالية المبنية على التوظيف بموجب عقود بالانتقال.

لكن ، وبعد احتجاجات الأساتذة ، تقدمت الوزارة باقتراح يغير الحالة الادارية للاساتذة الى و ضعية نظامية مماثلة لوضعية الموظفين الخاضعين للنظام الاساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية ، و ذلك في إطار التوظيف الجهوي و الترسيم من طرف الأكاديميات الجهوية للوزارة المعنية.
وترمي مقترحات الوزارة من خلال الاجتماع الذي عقده وزير التربية الوطنية بتوجيهات من رئيس الحكومة مع النقابات الأكثر تمثيلية الى تعديل مقتضيات النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديميات، و أهم ما جاء فيه هو التخلي عن نظام التعاقد وفسخ العقد عبر مراجعة جميع المواد نظرا لكون “التعاقد” لم يعد معتمدا حيث يرسم الاساتذة جهويا.. ويمكن للأستاذ من أمثال سلوى  أيضا مزاولة الأنشطة خارج أوقات العمل عبر “السماح لأطر بممارسة الأنشطة شريطة ان لا تكون مدرة للدخل”،كما سيتمتعون بالحق في الترقي في الرتب و الدرجات، على مدى حياتهم المهنية فضلا عن مراجعة المادة 25 من النظام الأساسي المتعلق بالتعاقد بعد الإصابة بمرض خطير.

مبررات التنسيقيات و النقابات الأكثر تمثيلا للتعليم
ترى تنسيقية “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ” أن هذا النظام فرض عليهم وليس بمحض ارادتهم،بل اعتبروه عقدا يحتوي على شروط تعسفية وجبت مراجعتها و إلغاؤها،و أنهم يمثلون الطرف الضعيف في هذه العلاقة التعاقدية، و قد واجهوا الوزارة المعنية بعد فشل جلسات حوار بنقل معركتهم الى الشارع العام في مختلف الجهات وذلك عبر خوض مسيرات تحت شعار “نعم للادماج ولا لترسيب و طرد الأساتذة”، و “الادماج أو البلوكاج”.

وقد طالبت هذه التنسيقية ،التي تفوق نسبة الانخراط في محطاتها النضالية التسعين في المئة، من خلال وقفاتها الاحتجاجية بضرورة فتح حوار جدي وإنهاء حالة الركود التي تطال ملفهم و إعادة جميع الأساتدة المطرودين الى فصول الدراسة ، كما دعت في بيانها الاول  مختلف النقابات السياسية الى الانخراط في دعم مطالبها عبر رفض و اسقاط نظام ” التعاقد”.

دعم و مساندة النقابات
عقدت وزارة التربية الو طنية و التكوين المهني و التعليم العالي اجتماعا مع نقابات قطاع التعليم ،بطلب من هذه الاخيرة ، حول موضوع التعاقد فيما  رفضت الوزارة اشراك  “التنسيقية الوطنية للاساتدة الذين فرض عليهم  التعاقد”  في هذا الحوار مما جعلها تقرر تمديد إضراباتها.
وقد عبرت النقابات في هدا اللقاء عن دعمها المباشر للاساتذة المتعاقدين و طالبت بتوظيفهم بشكل مباشر في الوظيفة العمومية ،الأمر الذي رفضته الوزارة الوصية.

هذه النتيجة غير المرضية للحوار جعلت النقابات ترفض الحوار على مستوى الجهات.اذ عبر التنسيق النقابي الخماسي المكون من(CDT)(UGTM)(FDT)(UMT)(FNE) عن رفضهم الجلوس مع ممثلي وزارة الداخلية حين استدعوا ممثليهم الاقليميين و الجهويين معتبرين أن هذا الحوار يتجاوز صلاحيتهم وأنه مشكل وطني و حله مركزي.

موقف فدرالية الأباء
يعتبر موقف فدرالية الأباء واضحا بخصوص هذا المشكل حيث عبرت العديد من جمعيات الآباء من مختلف الجهات عن تشبثها بضرورة مراعاة مصالح التلاميذ و أن لايكون هذا الاحتجاج الذي تسلكه تنسيقيات الأساتذة على حساب الوضعية التربوية لابنائهم، حيث أن هذه الاضطرابات المتكررة قد تسبب في الهدر المدرسي لذا يجب الاسراع في ايجاد حلول سريعة من اجل صيانة حقوق الأطراف المعنية و ذلك في حل توافقي، يرضي الجميع و عدم التسبب في سنة بيضاء.

و يسجل لجمعيات الاباء خلال هذا الاحتقان عدم الانجرار وراء الاطروحة الرسمية ، حيث حاولت في غالب الاحيان تغليب المصلحة العامة للمدرسة و الاساتذة و المتمدرسين.

أراء الأحزاب السياسية
لقد جاء بيان الأغلبية الحكومية مساندا و بشكل قطعي لمقترح وزارة التربية الوطنية، حيث صنف البيان الحرص عل صفات ممارسة الحقوق و الحريات المكفولة دستوريا و قانونيا، و مراجعة كل التجاوزات التي تستهدف المس بالأمن العام.كما عبرت أحزاب الأغلبية على حرصها الدائم على تدبير الملف بشكل عقلاني و استحضار المصالح العليا للوطن و الإنصات و الحوار و التفاعل السريع مع الاقتراحات و المطالب المشروعة التي تروم الى تحسين الوضع المهني لهؤلاء الاساتذة.

ماهو الحل لهذه الأزمة
ان الحل لمشكل التعليم بالمغرب بصفة عامة يعد من أصعب التحديات، نظرا لضعف الحكومات في ايجاد استراتيجية واقعية و فعالة تجعله يأخد الطريق الصحيح و يصطاف الى جانب القطاعات المتطورة الأخرى و قد زاد مشكل الأساتذة المتعاقدين الطين بلة، بل النقطة التي أفاضت الكأس حول واقع لم يستطع أحد ايجاد  وصفة استعجالية للنهوض به. و قد اعتاد المغاربة منذ خطة “الميثاق الوطني للتربية و التكوين ” على اعتبار مشكل التعليم شأنا توافقيا بالضرورة ، لذلك فإنه اذا ما انعدمت التوافقات بين الأطراف المعنية في مشاكله الراهنة مثل ملف “المتعاقدين” ، سيبقى هذا المشكل قائما بل سيتحول الى تداعيات اجتماعية أخرى لايريدها أحد  أن تقع .

ترى سلوى و زملاؤها الاساتذة رأي كثير من النقابيين و المهتمين و السياسيين أيضا .. فاذا لم تنفد الوزارة المعنية الإجراءات الإحترازية اللازمة و تتنازل عن بعض الشروط الجوهرية في هذه السياسة التي نهجتها حول تنزيل برنامج ” التعاقد” الى أرض الواقع، فربما ستكون كلفة هذا المشروع اضطرابات اجتماعية ، وزيادة الواقع مرارة ،خاصة أن الأمر يتعلق بقطاع مريض اصلا لم تنفع  لا البرامج الاستعجالية و لا القوانين اللاحقة لتنظيمه حيث أصبح مشكلا بنيويا .
كما يعتقد بعض المتتبعين ، ليست منهم سلوى،  أن على التنسيقيات ايضا التنازل قليلا عن بعض الشروط رغم انها حقوق مشروعة أمام  كرامة و مصلحة الوطن التي هي فوق كل الاعتبارات …

أما اذا فشلت جميع مساعي و قنوات الحوار ولم يبقَ بصيص أمل، فيرى المتتبعون أن التحكيم الملكي قد  يكون ضرورة ملحة من أجل انهاء المشكل و ذلك ضمانا لإستقرار المجتمع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة