
جرت العادة أن يزداد الطلب في المنتصف الثاني من السنة الدراسية على خدمات الاستشارة والتوجيه من طرف التلاميذ وآبائهم خاصة تلاميذ المستويات الختامية من سلكي التأهيلي والإعدادي.
وإذا كان هذا الطلب تُمليه القرارت التي يجب على هؤلاء التلاميذ اتخاذها بخصوص مسارهم الدراسي والمهني فإن مواكبته يطرح عدة تساؤلات حول الوسائل والموارد البشرية والمادية المعبئة للاستجابة له.
ولعل مَردُ هذه التساؤلات يعود الى واقع ممارسة ومكانة التوجيه التربوي بمنظومتنا التربوية.
هذا الواقع لم يعد خافيا على أحد بعدما تناوله خطاب الملك وتقارير المجلس الأعلى للتعليم ومنظمات مختصة.
واقع موسوم بضبابية المقاربة المعتمدة وطنيا إن لم نقل انعدامها ميدانيا رغم تنصيص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على اعتماد المقاربة التربوية في هذا المجال.
واقع يتسم أيضا بقلة الأطر المختصة وارتفاع نسبة تأطير المؤسسات التربوية وغياب وسائل وظروف الاشتغال وغيرها من الاختلالات.
في ظل هذا الواقع برزت منذ سنوات ملتقيات التوجيه والمهن التي تنظمها المديريات والاكاديميات الجهوية بشراكة مع الجمعيات او المجالس المنتخبة او مؤسسات التعليم العالي من القطاع الخاص والعام.
وإذا كانت الأهداف المعلنة لهذه المنتديات تشير الى تلبية الطلب على خدمة الإعلام حول الدراسة والمهن فإن غياب أي تقييم لجدواها يسائل مدى مساهمتها في تمكين التلاميذ من بلورة اختيارات دراسية تعكس ميولاتهم وقدراتهم ومشاريعهم الشخصية خاصة إذا تم تغييب أطر التوجيه عن تأطيرها.
لذا نرى انه آن الآوان للتأمل في تجربة الملتقيات وفي بعض الممارسات المصاحبة لها بمنظور مهني يستحضر مرتكزات التوجيه وبروح المقاربة التربوية في التوجيه التي تبناها الميثاق حتى نزيل عنها كل ما قد يحيل به وصفها بالعرس التربوي وترتقي بذلك إلى نشاط موجه بامتياز (activité orientante).
ان أول ملاحظة يمكن ان توجه الى هذه الملتقيات هو اقتصار تنظيمها على المستوى الجهوي أو الإقليمي مما يؤدي الى حرمان تلاميذ العالم القروي والمناطق البعيدة عن مركز تنظيمها من هذه الخدمة وفي هذا ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية في الولوج الى خدمة التوجيه الذي نصبو اليه بمنظومتنا التربوية.
ثاني ملاحظة يمكن تسجيلها هو عدم تأطير زيارة التلاميذ لها مما قد يفوت عليهم فرصة الاستفادة الفضلى من زيارتها.
وعليه نرى انه من المفيد البدء بالإعداد القبلي للتلاميذ لزيارتها والقيام بمتابعة بعدية لهذه الزيارة.
فالبنسبة للإعداد القبلي يمكن أن يكون عبارة عن دليل يعده التلميذ بنفسه وبتأطير من أساتذته والمستشار في التوجيه التربوي قبل زيارة المنتدى ليكون له خارطة طريق توجهه نحو البحث عن المعلومات التي تفيده في مشروعه الشخصي وتجيب عن تساؤلاته المرتبط به بدل استهلاك كل ما سيقدم له خاصة أنه سيكون أمام مختصين في التواصل وتقنيات البيع “التربوي” (communication et marketing) وليس التوجيه التربوي.
يتكون هذا الدليل من مجموعة من المحاور ويكمن ان يشكل إعداده نشاطا موجها إذا استهدف هذا الإعداد تنمية كفايات نوعية لمادة دراسية معينة) مثلا الإعلاميات –العربية او الفرنسية … (أو كفايات مستعرضة) امتلاك الحس النقدي- القدرة على التقويم الذاتي – القدرة على تنظيم ومعالجة المعلومات وتوظيفها…. (
كما أن إعداد التلاميذ لهذه المنتديات قد يكون بأنشطة تساعد التلاميذ على واكتشاف ميولاتهم وقدراتهم وطموحاتهم وتكون زيارة المنتدى فرصة لاستكشاف الشعب والمهن التي يمكن ان تلبي تلك الميولات والطموحات.
أما بخصوص المتابعة البعدية فيمكن أن تتم بشكل جماعي أو فردي حسب رغبات التلاميذ والوقت المتاح لذلك.
هذه المتابعة يمكن ان تتم بورشات للتقاسم بين التلاميذ وتبادل فهمهم للمعلومات التي حصلوا عليها وتلقي التغذية الراجعة من بعضهم البعض.
أما بالنسبة للمتابعة الفردية فيمكن ان تتم في إطار مقابلة فردية تهدف إلى تمكين التلميذ من استيعاب المعلومات التي حصل عليها وكيف يمكنه توظيفها في بناء قراره الشخصي وإعطائه التغذية الراجعة حول منهجيته وبعض الجوانب التي يمكن أن يكون قد أغفلها.
تلكم فقط أفكار لاستثمار أفضل لملتقيات التوجيه ودعوة للتفكير جماعيا في تجديد ومهننة ممارستنا بدل ترك تلامذتنا لمتطفلين وجدوا في التوجيه التربوي مجالا خصبا لعرض بضاعتهم تحت عناوين مثيرة وجذابة زادها تبخيس عمل أطر التوجيه في المؤسسات التعليمية إقبالا ورواجا.
خلاصة تبقى ملتقيات الإعلام والتوجيه فرصة لأطر التوجيه والأساتذة لتصريف أنشطة موجهة تنمي كفايات نوعية ومستعرضة وكفايات التوجيه التربوي لدى تلامذتهم غير أن بعض الممارسات التي أصبحت تميز هذه الملتقيات تطلب منا وقفة تأمل لأنها لا تمت للممارسة المهنية والعلمية للتوجيه التربوي وكمثال على ذلك تمرير بعض الروائز على هامش هذه الملتقيات.
بقلم:
عالي بهوش
مستشار التوجيه المدرسي والمهني
عضو هيئة مستشاري ومستشارات التوجيه بالكيبك – كندا