نون بوست علي الكوري
قراءة في عاصفة المواقف: ردود الفعل الجهوية والوطنية على تصريحات رئيس جهة العيون حول مشروع الحكم الذاتي
أحدثت التصريحات المنسوبة لرئيس جهة العيون الساقية الحمراء، حمدي ولد الرشيد رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء ، بشأن ما اعتبره «استثناء جهة كلميم وادنون من مشروع الحكم الذاتي» موجة واسعة من ردود الفعل داخل المشهد السياسي والجهوي والوطني، بالنظر إلى حساسية الملف وارتباطه بثوابت الدولة وبالمسار الملكي الواضح في التعاطي مع قضية الوحدة الترابية. ولم يكن الصدى القوي لهذه الردود مصادفة، بل لأنه يمس أحد أكثر الملفات صرامةً في الوعي السياسي المغربي، حيث لا مكان للاجتهاد الفردي أو التقديرات الخاصة في الموضوع المتعلق بالسيادة.
منذ الساعات الأولى، برزت مواقف سياسية حاسمة، أبرزها موقف حسن الدرهم عضو مجلس جهة العيون الساقية الحمراء ، الذي اعتبر أن أي حديث عن إخراج جهة من جهات الصحراء من إطار الحكم الذاتي هو «قفز غير محسوب على الإجماع الوطني»، وتجاوز للثوابت التي تحددها الدولة، وعلى رأسها المؤسسة الملكية. وأوضح الدرهم أن الملف يتجاوز الحسابات الجهوية أو التصريحات العابرة، لأنه يدخل في صميم الهندسة الاستراتيجية التي تبني عليها المملكة مواقفها داخليا وخارجيا، وأن أي انزلاق في الخطاب يفتح الباب لتأويلات لا تخدم أحدا.
وفي البرلمان، شكل تصريح النائب محمد الصباري موقفا صارما، إذ أكد أن القضايا الوطنية الكبرى لا تدار بمنطق الانطباعات الشخصية، وأن المشروع الوطني المتعلق بالحكم الذاتي محسوم بوثائقه، ومؤطر بتوجهات ملكية واضحة، ولا يمكن اختزاله وفق حدود جغرافية أو قراءات أحادية. وقد نبّه الصباري إلى خطورة مثل هذه التصريحات التي يمكن أن تفهم — ولو عن غير قصد — كنوع من الإقصاء أو إعادة ترتيب غير موجود أصلا في الرؤية الرسمية للدولة.
على مستوى الجماعات الترابية، جاء موقف رئيس جماعة آسا، محمود عبا، ليعمّق النقاش، حيث أكد أن الجهات ليست كيانات «داخل المشروع أو خارجه»، بل جزء لا يتجزأ من المنظومة الترابية الوطنية، وأن ما يتحقق في الصحراء المغربية يتم ضمن رؤية تنموية موحدة تستهدف مختلف الأقاليم دون تمييز. وقد عبّر عبا عن رفض واضح لأي خطاب يوحي بأن جهة ما تتمتع بأولوية على أخرى في ملف سيادي يخص مجموع الوطن، معتبرا أن مثل هذه التصريحات تخلق التباسا غير مقبول في لحظة سياسية دقيقة.
كما عبر عضو الجهة محمد بودرار عن موقف نقدي واضح، مشيرا إلى أن النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية صمم ليشمل الجهات الثلاث، وأن أي حديث يوحي بوجود مناطق «داخل المشروع» وأخرى «خارجه» يناقض الواقع والمؤشرات التنموية والمرجعيات الرسمية للدولة. واعتبر بودرار أن وقت التمييز الجهوي قد انتهى، وأن الخطاب الوطني لا يُبنى على الاستثناءات، بل على وحدة الرؤية والمقاربة.
وقد انضم عدد من المنتخبين والفاعلين المدنيين إلى موجة الردود، محذرين من تبعات الخطابات التي تُقرأ على أنها تقسيم داخل ملف يعتبر من الركائز الأساسية للأمن السياسي والدبلوماسي للمغرب. وأشار هؤلاء إلى أن أي انزياح في الخطاب الرسمي يفتح هامشا للتأويل الخارجي، ويؤثر على الصورة التي بنتها المملكة لسنوات، والتي تقوم على وحدةٍ قوية بين جهات الصحراء الثلاث في الدفاع عن مقترح الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي وذي مصداقية.
أما الإعلام المحلي و الجهوي، فقد عبّر بدوره عن رفض واضح لخطاب الاستثناء، مؤكدا أن جهة كلميم وادنون كانت دائما جزءا محوريا من الدينامية الوطنية المتعلقة بالقضية الوطنية، وأن إخراجها من سياق الحكم الذاتي لا يستند إلى أي معطى قانوني أو دستوري أو سياسي. وقد ارتفعت الأصوات المطالبة بتوضيح رسمي حتى لا تبقى المسألة رهينة التأويلات أو القراءة المجتزأة لتصريح لم يكن أصلا منسجما مع السياق الوطني العام.
وفي المحصلة، تجمع القراءة الشاملة لهذه المواقف على ثلاثة خلاصات أساسية:
أولا : الحكم الذاتي مشروع سيادي وطني لا يمكن اختزاله في نطاق جغرافي أو النظر إليه بمنطق المزايدات السياسية.
ثانيا: جميع جهات الصحراء بما فيها كلميم وادنون جزء ثابت من هذا المشروع وفق رؤية الدولة ومحددات الدستور والخطابات الملكية.
ثالثا: أي خطاب يُقرأ على أنه إقصاء أو تمييز يضر بالانسجام الوطني ويحتاج إلى تصويب فوري حفاظا على قوة الموقف المغربي دوليا.
وهكذا يتبين أن النقاش الدائر ليس مجرد خلاف سياسي عابر بل مواجهة صريحة مع أي خطاب يمكن أن يربك صفّا وطنيا صلب بُني عبر سنوات وأن الردود كانت تعبيرا عن يقظة جماعية للدفاع عن وحدة الموقف الوطني تجاه ملف يعتبر الأهم في تاريخ المغرب الحديث.


















