نون بوست علي الكوري
شهدت مدينة كلميم، اليوم، تجمعا احتفاليا متميزا نظمته الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية، وذلك تخليدا لصدور القرار الأممي الجديد المتعلق بقضية الصحراء، وبالتزامن مع الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء وذكرى عيد الاستقلال المجيد. وقد اختير لهذه المناسبة شعار معبّر: “عيد الوحدة.. انطلاقة لتكريس الديمقراطية ومحاربة الفساد”، في إشارة واضحة إلى رغبة الحزب في ربط قيم الوطنية بالالتزام السياسي ومسؤولية الإصلاح. اللقاء حضره مناضلو الحزب ومتعاطفوه إلى جانب فعاليات سياسية ومدنية وشخصيات تحمل في ذاكرتها جزءا من تاريخ الوطن.
شكل الحدث محطة استثنائية داخل المشهد الحزبي المحلي، حيث حرص المنظمون على تقديم فقرات مبتكرة تعكس روح المناسبة ورمزيتها. وفي هذا السياق، جرى عرض شريط وثائقي عن المسيرة الخضراء، تضمن لحظات نادرة من تلك الملحمة الخالدة التي جسدت أسمى قيم التضحية والوحدة الوطنية. وقد لامس الشريط مشاعر الحاضرين وأعادهم إلى تلك المرحلة المشرقة من تاريخ المغرب، حين اصطف الشعب وراء ملكه لاسترجاع الأقاليم الجنوبية بطريقة حضارية وسلمية فريدة في العالم.
وعرفت الأمسية مداخلات فكرية وسياسية قوية، من بينها كلمة الأستاذ النجامي التي تناولت مفهوم الوحدة الوطنية ومركزيتها في المشروع الإصلاحي، ثم مداخلة الأستاذة منينة الموذن التي ركزت على أهمية تعزيز الخيار الديمقراطي كمدخل لتقوية الدولة وترسيخ الثقة. كما تدخل الأستاذ عمر سامي صلح بمداخلة تحليلية حول راهنية الإصلاح السياسي وربطه بمسؤولية الأحزاب في مواجهة الفساد والريع، إضافة إلى كلمة ممثل الشبيبة عبدالله حزام الذي أكد مكانة الشباب في استكمال مسار البناء الديمقراطي.
ولم يكتف اللقاء بالمقاربات النظرية، بل منح الكلمة لوجوه عاشت محطات صعبة وجسدت معاني الصمود، إذ ألقى أحد الأسرى السابقين في مخيمات تندوف شهادة مؤثرة حول معاناة المحتجزين وبطولات الجنود المغاربة، فيما قدم عسكري سابق شارك في معارك الدفاع عن الوحدة الترابية شهادات حية تبرز تضحيات القوات المسلحة الملكية خلال سنوات الحرب بالصحراء. كما أدلى أحد المشاركين في المسيرة الخضراء بشهادة أعادت إلى الأذهان أجواء التعبئة الوطنية التي صاحبت هذه الملحمة الاستثنائية.
هذه المداخلات المتنوعة أعطت للقاء طابعا توثيقيا وتاريخيا عميقا ، حيث امتزجت الذاكرة الوطنية بالشهادات الحية والتحليل السياسي، مما جعل الأمسية فضاء يجمع الماضي بالحاضر ويعيد قراءة مسار الوطن من زاوية الوفاء والالتزام. وقد أجمع الحاضرون على أن تكريم هؤلاء الفاعلين، من جنود محاربين وأسرى سابقين ومشاركين في المسيرة الخضراء، هو واجب وطني قبل أن يكون مبادرة حزبية، لما قدّموه من تضحيات في سبيل مغرب موحد وقوي.
كما أولى المنظمون أهمية كبيرة للقرار الأممي 27/97 الذي اعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الوحيد الواقعي والعملي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وتم التأكيد خلال اللقاء على أن هذا الانتصار الدبلوماسي الجديد يأتي تتويجاً لجهود المملكة تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، وللتحولات التي يعرفها الملف دوليا في اتجاه دعم شرعية الموقف المغربي. وأبرز المتدخلون أن هذا القرار يعزز ثقة المغاربة في عدالة قضيتهم وفي مسار التنمية الشاملة الذي تشهده الأقاليم الجنوبية.
وأجمع المتدخلون على أن الديمقراطية ومحاربة الفساد ليستا مجرد شعارات، بل مسارا يتطلب المثابرة والوضوح والاستقامة السياسية، وهي القيم التي شدد أعضاء الحزب على ضرورة تجسيدها في الممارسة اليومية. وتم التأكيد على أن تخليد ذكرى المسيرة الخضراء وصدور القرار الأممي يشكلان مناسبة لتجديد الالتزام بقيم الإصلاح والأخلاق السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة، في انسجام تام مع ما قدمه الآباء والأجداد من تضحيات في سبيل بناء الدولة الحديثة.
واختُتم اللقاء وسط تفاعل كبير من الحاضرين، الذين اعتبروا أن هذا الحدث يعكس حضور حزب العدالة والتنمية بكلميم كقوة سياسية دائمة وفاعلة، تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. وكان التجمع مناسبة لإبراز روح الوحدة الوطنية والاعتزاز بالانتماء، ولتجديد العهد على مواصلة مسيرة الإصلاح في إطار ثوابت الأمة والدفاع عن وطن مستقر، موحد ومزدهر.


















