
عبد الحي مبارك
كشفت مجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة ظهور أمراض نفسية خطيرة مع ظهور الإنترنت والتطور التكنولوجي واحتل الغباء مرتبة متقدمة من جملة هذه الأمراض حيث أصبحت محركات البحث، تساعد بنسبة كبيرة جدًا في تحويل الناس إلى أغبياء بالتدريج, كما أن الإفراط في استخدام الإنترنت يؤدي إلى البعد عن العالم المحيط، الأمر الذي يؤدّي إلى فقدان الأصدقاء، و الاعتماد عليه في كل شيء يحدث سوءاً في التواصل بين الأشخاص، علماً أنّ التواصل المباشر يعتبر أفضل وسيلة للتواصل الاجتماعي مع الآخرين، والاستمرار في استخدامه يؤدّي إلى التفكك الأسري,
وأنا أقرأ كل هذه المعلومات التي جعلت العالم في غيبوبة رقمية لاتنتهي, تذكرت أولى وصلات الاشهار لهذا الخطر القادم لبيوتنا تقول “عالم جديد يناديكم”,
دخل الهاتف في البداية خجولا إلى جيب الناس, رنات بسيطة وأرقام معدودة وإرسال مهترىء, ما أن سخن مكانه حتى بدأ في فرض نفسه على مالكه, فبدأ في سلب مهاماته فأضاف مميزات الحفظ والتذكر وتسجيل الاصوات والصور وكل الخطوات الصغيرة, وفي الأخير أضاف المسمار الأخير لنعش مالكه وهو الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي, ليصبح الهاتف هو السيد وأضحى المالك عبدا طائعا لاوامر سيده يتلمسه صباح مساء ينظفه ويسهر على أن يملأ بطارية الهاتف قبل أن يملأ بطنه ويبيت أقرب من زوجته في بيت الفراش.
“عالم جديد يناديكم”, مرحبا بكم أيها العبيد.
كلاااام جمييييل كلاااام معقوول ما ٱقدرش أقووول حاجة عنُّو (كما غنت ليلى مراد).
الأنترنيت كماء زمزم، فهي لِما شُرِبت له. لا يمكن أن نجزم تماما بعبوديتنا كمستعملين للشبكة العنكبوتية (تيگمي ن تامُّورغي) فمنا القاسطون ومنا المسرفون.
حلل معي أستاذ عبد الحي مثلا حالة طالب يستمد أحدث ما صدر من أبحاث ودراسات في مجال تخصصه (عبر غوغل العادي أو غوغل سكولر) وعبر عشرات المواقع التي لا يتجاوز عدد زوارها آلاف قليلة عبر العالم وحالة كسول يكرر سنته الجامعية الأولى ثلاث مرات يقضي سحابة يومه في لخوى الخاوي من فيديوهات ومقالات السخافة العامة الوطنية والدولية والألعاب والأفلام وما لا يفيد.
التواصل الاجتماعي (الذي توقفتُ عن إستعماله منذ سنتين) وجه آخر من وجوه “لِما شُربت له”، فنشر فضائح الناس وتسفيه مجهوداتهم وتأليب العامة على بعض الأشخاص لغايات دنيئة (سياسية، إيديولوجية، إقتصادية…كيدية…) لا يستوي ونشر الثقافة والعلوم والدعوة إلى مبادرات إنسانية..ولا يمكن ولا يصِح أن يجتمع أهل الخبث والمكر في فضاء واحد مع أصفياء النية حتى ولو كان الفضاء ٱفتراضيا.
الأنترنيت والتكنولوجيا لا أبعاد أخلاقية لها، بل تُظهر لكل مجتمع إلى أي مدى هو متماسك وراسخ المبادئ ومجتمعنا المغربي صار مثل ريش ذيل الديك (قزيبة الفرُّوج). في ٱنتظار هبوب الريح المرغوبة يواصل ذيل الديك الرقص في مهب رياح الجهل “المستنير”.