حاوره علي الكوري .
خلال الحوار الصحفي الذي أجرته نون بوست مع الدكتور محمد بوزنكاض، منسق الكتاب الجماعي حول “المكون الإفريقي في الثقافة والمجتمع المغربيين”، تم تسليط الضوء على أهمية إعادة الاعتبار لهذا الرافد الأساسي في الهوية الوطنية المغربية، باعتباره جزءًا من التعدد الذي كرّسه دستور المملكة في فصله الخامس.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور بوزنكاض أن هذا العمل العلمي جاء لتدارك النقص الكبير في تناول البعد الإفريقي داخل البحث الجامعي المغربي، ولتحفيز الباحثين على الانفتاح على قضايا الثقافة والحضارة الإفريقية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية والتنموية الجارية، وخصوصًا بالأقاليم الجنوبية.
كما توقف في حديثه عند التأثير الحضاري المتبادل بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، داعيًا إلى تجاوز النظرة الخطية التي تحصر العلاقة في اتجاه واحد. الحوار تناول أيضا الإشكاليات المرتبطة بضعف استثمار هذا البعد في البحث العلمي، وسبل تجاوزه من خلال مبادرات ميدانية ومشاريع أكاديمية واعدة.
س الاول : ما الهدف الأساسي من دراسة “المكون الإفريقي” في المجتمع والثقافة المغربيين كما يعرضه الكتاب؟
شكرا بداية على الدعوة، وأهنئ القائمين على هذا المنبر بسعيهم إلى بناء هوية جديدة لمنبر نخبوي ينفتح على الإنتاج العلمي ويقربه من الجمهور، علاقة بسؤالكم، فالحديث عن الرافد الإفريقي هو حديث عن الهوية الوطنية بمكوناتها المختلفة والمركبة والغنية، كما تم ترسيمها ودسترتها في الفصل الخامس من دستور المملكة ، وهو تأطير قانوني يتأسس على تمثل حقيقي للهوية المغربية في قوتها وتنوعها (العربية والأمازيغية والأندلسية والعبرية والإفريقية) ، غير أننا نرى أنه في مقابل الدينامية العلمية، التي على الرغم من حدودها وضعف تأطيرها، لا تغطي كل أبعاد هذه الهوية، حيث يظل المكون الإفريقي الأقل حضورا في الدرس الجامعي والإنتاج العلمي، لذلك يحاول هذا الكتاب الجماعي توجيه البحث نحو هذه القضايا الراهنة التي نعتقد أنها يجب أن تشكل أفقا للبحث باعتبار مركزية هذا الإرث الإفريقي في
فهم الذات الوطنية بأبعادها العميقة والشاملة.
س الثاني : كيف يبرز الكتاب تأثير الحضارات الإفريقية، وخاصة دول جنوب الصحراء، على الهوية الثقافية للمغرب؟
لقد ظلت حضارة المغرب جزءا أصيلا وفاعلا في حضارات حوض البحر الأبيض المتوسط، بل لقد مكن موقع المغرب وانفتاحه من استبطان كبير وغير منقطع للمؤثرات الحضارية الأروبية والأندلسية والمشرقية وكذا الإفريقية، ولأن هذا التواصل اتخذ صفة حضارية، فإن الأمر يعني أنه اتخذ البعد المركب للحضارة في مستوياتها المادية والبشرية والثقاقية…، لذلك فقد حاول الكتاب أن يغطي بعض هذه الأبعاد والقضايا التي تطرحها على نحو مقتضب باعتبار بداية شساعة المجال وثانيا ضعف تراكم المنجز في هذا التأثير العكسي الإفريقي المغربي، ذلك أنه إلى الآن لا تزال الدراسات تتمثل العلاقات في بعد خطي قائم على تأثير المغرب على جنوب الصحراء، وهو معطى جعلنا ندفع في اتجاه مساءلة التأثير الإفريقي على المغرب وحضارته.
س الثالث : ما هو الإشكال الذي يطرحه منسق الكتاب بخصوص ضعف استثمار البعد الإفريقي في البحث العلمي المغربي؟
تشكل جدلية البحث العلمي والتنمية والعلاقة بين المجالين أحد محددات ومؤشرات تحقق التنمية وإنجاح المشروع المجتمعي في كل البلدان ولدى كل الشعوب، وهي علاقة تظل عليلة إن لم نقل منقطعة في معظم دول العالم النامي، في سياق ضعف ميزانيات البحث العلمي وغياب مختلف أشكال الالتقائية بين الفاعل السياسي والاقتصادي والترابي من جهة والفاعل الأكاديمي من جهة أخرى، وفي هذا الإطار فإن البعد الإفريقي لا يخرج عن كونه حقل للبحث يتأثر بهذا الواقع. غير أنه من الجدير بالذكر أن هناك ما يدعو للتفاؤل علاقة الأقاليم الجنوبية التي تعرف تحولا كبيرا تحت وقع التطور الكبير الذي تعرفه علاقات المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء، وهو تحول مؤطر بمبادرات ملكية رائدة من قبيل أنبوب الغاز المغرب –نيجيريا ومبادرة الأطلسي وما واكبها من مبادرات تنموية شملت إقامة مشاريع مهيكلة مثل الميناء الأطلسي وطريق أمكالة بالسمارة وغيرها، وهي تحولات نعتقد جازمين أنها تخلق سياقا يخدم دينامية البحث العلمي لأنها مبادرات ترتكز على عمق معرفي واستثمار لمقومات هذه الجهات البشرية والجغرافية والتاريخية، وهو توجه لفتنا شخصيا الانتباه له منذ مدة، حيث صدرت لنا كتابات ونسقنا ندوات تبحث معظمها في دور الصحراء في علاقات المغرب الإفريقية، فصدر أول هذه الكتب سنة 2015، وهو عبارة عن أشغال ندوة ببوجدور وبعده ثلاثة كتب جماعية في نفس الموضوع، لذلك فنحن سعداء بتبلور بعض التوصيات التي خرجت بها هذه الكتب والندوات.
وفي الأخير أجدد الشكر لكم على الدعوة والتفاعل الإيجابي مع صدور هذا الكتاب الذي أنوه بدور مختبر القيم والمجتمع والتنمية وبخاصة مديره الزميل حسن بنعبو ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة التي دعمت هذا الإصدار ومركز الجنوب للدراسات والأبحاث الصحراوية والافريقية.
اختتم الدكتور محمد بوزنكاض حواره بالتأكيد على أن تعزيز حضور المكون الإفريقي في البحث العلمي المغربي لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة علمية وثقافية تواكب التحولات الكبرى التي يعرفها المغرب في علاقته مع عمقه الإفريقي.
دعا إلى فعل أكاديمي منظم، يعيد الاعتبار لهذا البعد المهم في تشكيل الهوية المغربية، ويمنح للجامعة المغربية أدوارًا حقيقية في مواكبة المشاريع الاستراتيجية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية.
وأكد أن الاستثمار في هذا الإرث الحضاري الإفريقي، سواء من خلال النشر العلمي أو الندوات والبرامج الأكاديمية، يعد خطوة أساسية نحو بناء معرفة متجذرة، منفتحة، وقادرة على استشراف المستقبل