نون بوست علي الكوري
انطلقت مساء اليوم الأحد 18 ماي الجاري فعاليات ندوة “الشعر النسائي في الصحراء: التبراع من الممارسة إلى التوثيق”، التي تنظمها مؤسسة الموكار طانطان ضمن فعاليات موسم طانطان الثقافي. تهدف الندوة إلى تسليط الضوء على فن التبراع كأحد أشكال الشعر الحساني النسائي الذي يعبر عن مشاعر وتجارب المرأة الصحراوية بطريقة مكثفة ومختصرة، مما يجعله جزءا أصيلا من الهوية الثقافية الحسانية.
في مستهل الندوة، ألقى الأستاذ عبد الله العلوي كلمة نيابة عن رئيس مؤسسة الموكار، الذي حالت ظروف خاصة دون حضوره. وفي كلمته، أكد العلوي على التزام المؤسسة بإثراء البرنامج الثقافي لموسم طانطان من خلال تنظيم ندوات نوعية تستهدف الحفاظ على التراث الثقافي الحساني. كما أبرز أهمية تعزيز الشراكة مع فعاليات المجتمع المدني لتحقيق هذا الهدف، مؤكداً أن الندوة تأتي في سياق دعم الجهود الرامية إلى توثيق الشعر النسائي الحساني وضمان استمراريته.
من بين المداخلات المتميزة، جاءت مداخلة الشاعرة خديجة لعبيد الملقبة بـ”الناهة” تحت عنوان “التجديد في شعر التبراع”، حيث قدمت رؤية متعمقة حول سبل تطوير هذا اللون الشعري في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية. أكدت الناهة على أن شعر التبراع لا ينبغي أن يظل حبيس القوالب التقليدية، بل يجب أن يتكيف مع المستجدات دون المساس بجوهره الثقافي والأدبي. أوضحت الناهة أن التبراع هو شعر المرأة الصحراوية بامتياز، حيث يعبر عن مكنوناتها بطريقة مكثفة وعميقة. كما شددت على أهمية تشجيع الأجيال الشابة على تعلم هذا الفن، من خلال ورشات تدريبية ومبادرات توعوية تضمن استمراريته.
من جانبها، قدمت عزيزة عكيدة مداخلة بعنوان “إبداع حساني بصبغة الخصوصية”، حيث ركزت على الخصوصية الثقافية للمرأة الصحراوية في نصوص التبراع. وأكدت على أن هذا اللون الأدبي يعكس تميز الهوية الثقافية المحلية، مشيرة إلى أن الحفاظ على هذه الخصوصية يتطلب توثيق النصوص ضمن مشاريع بحثية. كما دعت إلى تعزيز دور المرأة في إنتاج هذا الشعر، مع توفير فضاءات للتعبير الثقافي بشكل يواكب العصر.
وفي مداخلة مميزة أخرى، تناولت أم الفضل ماء العينين في موضوع “التبراع بين المباح والمسكوت عنه” الجوانب الاجتماعية لهذا الفن الشعري، مشيرة إلى أن التبراع غالباً ما يكون وسيلة للتعبير عن مشاعر دفينة بلغة رمزية. وأوضحت أن الجرأة في التبراع تتجلى في قدرته على تناول مواضيع حساسة دون انتهاك الأعراف. ودعت إلى دراسة هذا الشعر من زاوية سوسيولوجية تعكس تأثير التغيرات الاجتماعية عليه.
كما قدّم الطاهر خنيبيلا مداخلة بعنوان “التكثيف الدلالي والتصوير الشعري في التبراع”، حيث استعرض الأبعاد الأسلوبية واللغوية التي تمنح هذا الشعر قوة تأثيره. وأوضح أن التكثيف في شعر التبراع يعد سمة جمالية تميزه عن غيره من الأشكال الشعرية، حيث يتسم بالإيجاز مع عمق المعنى. وأكد على أهمية التوثيق الصوتي والمرئي لهذا التراث، حفاظاً على حيويته في ظل تطور وسائل الإعلام.
في ختام المداخلات، تناول عبد الله الهامل موضوع “الشعر النسائي الحساني بين الماضي والحاضر”، حيث استعرض تطور هذا الشعر عبر العصور. وأكد على التحديات التي يواجهها في ظل العولمة الثقافية، داعياً إلى إشراك الأكاديميين والباحثين في جهود توثيق هذا التراث. كما أشار إلى أن استمرار الشعر الحساني النسائي يعتمد على تحفيز النساء الشابات على الإبداع ضمن هذا النمط الشعري.
وقد حظيت جميع المداخلات بتفاعل إيجابي من الحضور، حيث تم فتح نقاش موسع حول سبل دعم الشعر النسائي الحساني وضمان استمراريته. وفي الختام، أجمع المشاركون في الندوة على ضرورة تكثيف الجهود لتوثيق الشعر النسائي الحساني والحفاظ عليه كتراث ثقافي حي يعكس هوية المرأة في الصحراء ويسهم في صون التراث الشفهي للأجيال القادمة.