حاورها علي الكوري
اختارت ليلى عطى الله أن تشق طريقها في مجال الإعلام والإخراج انطلاقا من مدينة السمارة بجهة العيون الساقية الحمراء، فبرزت كأحد الأصوات النسائية البارزة التي استطاعت أن تضع بصمتها الخاصة في المشهد الإعلامي.
تمكنت من تحويل شغفها إلى تجربة مهنية ناجحة، متجاوزة التحديات ومؤمنة بدور الكلمة والصورة في نقل هموم المجتمع وتطلعاته. في هذا الحوار، نتعرف على بداياتها، والدوافع التي قادتها نحو الإعلام، ورؤيتها المستقبلية لهذا المجال الحيوي. كيف استطاعت فرض نفسها في هذا المجال رغم صعوبته؟ ما سر نجاحها في الجمع بين الإخراج والعمل الصحفي؟ وكيف ترى واقع الإعلام الجهوي وفرص تطويره من قلب الصحراء المغربية
س. 1 : كيف بدأ اهتمامك بمجال الإعلام؟ وما الذي دفعك للانخراط فيه؟
بدأ شغفي بالإعلام منذ سنوات الدراسة، حين كنت أشارك في العروض المسرحية والأنشطة التي كانت تنظمها المؤسسة آنذاك. كما كنت أتابع البرامج التلفزيونية والنشرات الإخبارية بشغف، منبهرة دائمًا بطريقة سرد الوقائع، وتأثير الكلمة والصورة في تشكيل وعي الناس. شيئًا فشيئًا، بدأت أميل إلى التعبير، أكتب، أطرح الأسئلة، وأبحث عن الحقيقة…
ما دفعني فعليًا للانخراط في هذا المجال هو إحساسي العميق بمسؤوليته، ورغبتي في أن أكون صوتًا ينقل واقع الناس، يعبر عنهم، ويسلط الضوء على قضاياهم. فالإعلام بالنسبة لي ليس مجرد مهنة، بل رسالة نبيلة، وحافزي الأكبر كان ولا يزال هو الإيمان بقدرة الصحفي على إحداث الفرق، ولو بكلمة واحدة
س.2 : هل كانت هناك لحظة محورية أو تجربة معينة ألهمتك للدخول إلى مجال الإعلام والإخراج؟
نعم، كانت هناك لحظة لن أنساها، شكلت نقطة تحول حقيقية في مساري. حدث ذلك خلال إحدى الدورات التكوينية بمدينة الداخلة، رفقة مجموعة من الأساتذة الكبار، وعلى رأسهم المخرج الكبير حكيم بلعباس. من خلاله، تعلمت أن لحظة قصيرة على خشبة المسرح يمكن أن تختصر تاريخًا، ثقافةً، ومشاعر إنسانية عميقة.
في تلك اللحظة، أدركت أن الإخراج ليس فقط فنًا بصريًا، بل بحث عن الإنسان داخل كل مشهد. تعلمت كيف أرى الناس لا كأدوار، بل كحكايات حقيقية تستحق أن تروى بصدق وإحساس.
منذ ذلك الحين، بدأت أرى العالم بعدسة مختلفة، وأصبحت أبحث عن القصص في تفاصيل الحياة اليومية، وأحلم بإخراج مواد تنبض بالروح والواقع. تلك اللحظة لم تكن مجرد إلهام عابر، بل كانت دعوة صامتة
س.3 : ما هي التحديات التي واجهتك في البداية وكيف تخطيتها لتصبحين اليوم مخرجة وصحفية ؟
في بداياتي، كان أكبر تحد هو إثبات الذات في مجال لا يرحم، خاصة كامرأة تنتمي إلى مدينة صغيرة مثل مدينة السمارة، حيث الفرص محدودة والموارد شحيحة. امرأة تركت محيطها، وأصدقاءها، وذكرياتها لتلاحق حلمًا آمنت به. واجهت في البداية نظرات تشكك في قدرتي على أن أكون صحفية، ثم لاحقًا في قدرتي على أن أكون مخرجة.
كما واجهت صعوبات تقنية ولوجيستية، من غياب المعدات إلى صعوبة الوصول إلى المعلومة، لكنني لم أستسلم. اجتهدت في التكوين الذاتي، قرأت، شاهدت، تطوعت، واشتغلت على مشاريع صغيرة، وكل تجربة مهما كانت بسيطة، كانت لبنة في مساري المهني… دعمني الشغف، وساعدني إيماني العميق برسالتي على تجاوز اللحظات الصعبة.
ومع مرور الوقت واكتساب الخبرة، تعلمت أن أكون فريقا صغيرا بداخلي: الصحفية التي تبحث عن الحقيقة، والمخرجة التي تترجمها بلغة الصورة. واليوم، أشعر بالفخر لأني لم أختر طريقًا سهلاً، بل صنعت لنفسي مسارًا خاصًا يجمع بين قوة الكلمة وسحر الصورة.
س.4. : كيف تطور مسيرتك الإعلامية منذ بداياتك، وما أبرز المحطات التي شكلت طريقك المهني؟
منذ خطواتي الأولى في المجال الإعلامي، كان هدفي أن أتعلم باستمرار وأطور نفسي نحو الأفضل. بدأت بالاشتغال مع مجموعة من المقاولات الصحفية، والتي كانت آنذاك تعد على رؤوس الأصابع. كنت أكتب تقارير ميدانية متعددة، وأشارك في تغطيات محلية متنوعة، وكنت أعتبر كل تجربة، مهما كانت بسيطة، فرصة للتعلم وصقل المهارات.
حصلت فيما بعد على شهادة الماستر في مجال الإعلام، ما عزز رصيدي الأكاديمي والمهني. ومع مرور الوقت، أنشأت جريدة إلكترونية تحمل اسم “الصحراوية نيوز”، والتي كانت أول جريدة نسائية في الأقاليم الجنوبية آنذاك. واليوم، أصبحت هذه الجريدة فضاءً إعلاميًا يحتضن مجموعة من الصحفيين الحاملين لبطائق مهنية.
لم تكن هذه التجربة مجرد عمل عابر، بل كانت محطة مفصلية منحتني ثقة أكبر، وساهمت في إبراز اسمي داخل الساحة الإعلامية، وفتحت أمامي آفاقًا جديدة ومسؤوليات أكبر.
باختصار، كل مرحلة من مراحل هذه الرحلة المهنية الممتعة كانت لبنة أساسية في بناء مساري العملي، لكن الإصرار، والرغبة في التطوير الذاتي، والجرأة على الحلم، كانت هي المفاتيح الحقيقية لتطوري كإعلامية اختارت أن تخوض غمار “مهنة المتاعب” بكل شغف وإيمان