الضغط على الموارد المائية بإقليم سيدي إفني وسبل الحفاظ عليها أمانة وابتكار حلول ومشاريع جديدة لتطويرها رهان بيئة مائية مستدامة

5 أبريل 2022
الضغط على الموارد المائية بإقليم سيدي إفني وسبل الحفاظ عليها أمانة وابتكار حلول ومشاريع جديدة لتطويرها رهان بيئة مائية مستدامة

شكل الماء مصدر الحياة، لقوله تعالى في كتابه العزيز “وجعلنا من الماء كل شيء حي”.[1] ونظرا لأهمية التزود بهذه المادة لاسيما في العقود الأخيرة بسبب التغيرات المناخية وندرة التساقطات، يظل مطلب الاستدامة في التعاطي مع الماء أمرا ضروريا بترشيد استعماله، والبحث عن حلول آنية تهم المناطق التي تعاني شحا فيه.

ولعل إقليم سيدي إفني بجهة كلميم وادنون مثالا للأقاليم التي تعاني من هذا الخصاص. فما هي أهم الحلول المقترحة للحفاظ على الماء ؟

أولا: واقع الموارد المائية بسيدي إفني

يقع إقليم سيدي إفني في الجنوب المغربي، يحده شمالا إقليم تيزنيت، وشرقا إقليم طاطا، وجنوبا إقليم كلميم، وغربا المحيط الأطلسي، وينتمي إداريا لجهة كلميم وادنون، ويتميز بتنوع موارده المائية السطحية والجوفية، والتي تعرف نقصا في العقود الأخيرة، بسبب ضعف التساقطات وعدم انتظامها من جهة، ووجود فرشة مائية مالحة لقربها من الساحل البحري من جهة ثانية.[2]

فعلى مستوى المياه السطحية يمكن الحديث عن جملة من الأودية الموسمية الجريان بالإقليم،  تنتهي مياهها بالبحار دون الاستفادة منها، بل منها ما يتسبب في أضرار بيئية في حالة فيضانها مما يؤدي إلى جرف الأتربة الخصبة، وإتلاف الحقول، مما استدعى بناء سدود تلية للحد من خطر الفيضانات (فيضانات نونبر 2014م).

وعليه، فإن اختيارنا للماء كموضوع للمشاركة في المسابقة الوطنية للصحفيون الشباب، لم يأتي عبثا باعتباره واقعا معاشا بهذا الإقليم، وإيمانا منا بروح المواطنة، ارتأينا أن نشتغل على هذا الموضوع،  عبر زيارة عدة مرافق عمومية وإجراء مقابلات مع بعض الجهات وعقد اتصالات لجمع أكبر عدد من المعطيات، حول تشخيص واقع الموارد المائية بالإقليم، والبحث عن حلول تضمن الاستدامة لهذه الموارد.

فكانت البداية بزيارة للمكتب الوطني للماء  يومه الثلاثاء 29 مارس على الساعة 11 صباحا، حيث كان في استقبالنا رئيسة المكتب (ن. ب)، التي رحبت بنا وقدمت لنا عدة شروحات حول وضعية الماء ومصادره بالمنطقة، مؤكدة على أن سد يوسف بن تاشفين القريب من مدينة تيزنيت، يعتبر المزود الرئيسي للإقليم بمياهه الصالحة للشرب، أمام عجز الفرشة الجوفية المحلية المالحة.

ونظرا لضعف التزود بالماء في فصل الصيف، أكدت السيدة رئيسة المكتب وجود عدة إكراهات مرتبطة أساسا بالضغط الكبير على الشبكة المائية في هذا الفصل، الذي يعرف توافد عدد مهم من المواطنين خاصة من الأقاليم المجاورة التي تشهد حرارة مرتفعة.

هذه الإكراهات نفسها أكدت عليها وكالة الحوض المائي لدرعة وادنون التي يعود إنشاؤها إلى 21 شتنبر 2016م، من خلال اتصالنا بأحد موظفي الوكالة، الذي زودنا بملف حول الموارد المائية بالإقليم، وبعض الإكراهات والتحديات التي تواجهها، ومنها تزايد المساحات المسقية، وتوالي سنوات الجفاف، وتزايد عدد سكان هذا الإقليم.

ثانيا: الحلول المقترحة لمعالجة ندرة المياه بإقليم سيدي إفني

1- حلول عامة:

للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية التي تعتبر شريان الحياة ومصدرها، كان من الضروري ابتكار عدة طرق وأساليب،[3] والاستفادة من التجارب الإنسانية الماضية والأفكار الحديثة، ولعل من هذه الحلول والمقترحات التي يمكن الاستناد إليها من أجل ضمان استدامة حقيقية للموارد المائية بسيدي إفني نذكر ما يلي:

  • استغلال الطبيعة الجغرافية بالإقليم المتمثلة في وجود تضاريس جبلية تتخللها عدة منخفضات، وتفصل بينها عدة أودية موسمية الجريان، عبر بناء سدود تلية وقائية، تستفيد منها الفرشة المائية الجوفية بشكل أساسي.
  • امكانية معالجة مياه هذه السدود في المستقبل في توفير المياه الصالحة للشرب ودعم شبكة التزود الإقليمية بالماء، مثال سد خنفوف نموذجا، الذي أنشئ حوالي سنة 2016م، ويجمع حاليا أطنان كبيرة من المياه على مشارف كلمترات قليلة من مدينة سيدي إفني شمالا.

  • استغلال المياه العادمة في ري الحدائق وإطفاء الحرائق… بالمقابل توفير المياه العذبة وتخصيصها فقط للشرب.
  • بناء بعض المنشآت التقليدية مثل المطفيات[4] للاحتفاظ بمياه التساقطات في المجالين القروي والحضري، من خلال إدراجها في تصاميم البناء العصري للمنازل ولاستغلال مياه الأسطح خلال التساقطات كموارد مائية إضافية في عدة أغراض.

  • التفكير في زراعات لاتستهلك المياه بشكل كبير مثل زراعة الصبار والأركان وغيرها من المزروعات الأقل استهلاكا للماء.
  • تعميم تقنية الري الموضعي في المشاريع الفلاحية
  • حفر عدد من الأثقاب المائية خاصة بالدواوير لدعم شبكة التزود. خصوصا في المناطق البعيدة عن الساحل، والتي بها فرشة جوفية أقل ملوحة.

 

2- مشاريع خاصة تروم الاستدامة في توفير الموارد المائية

بجانب الحلول العامة السالفة الذكر، ارتأينا كصحفيين للشباب تثمين بعض المبادرات المحلية التي تضمن استدامة للموارد المائية بشكل أكبر، ومنها مثلا: مشروع حصاد الضباب، الذي يساهم في توفير مصادر مائية جدية بإقليم سيدي إفني خصوصا، إذا علمنا أن هذه المدينة تلقب بمدينة الضباب أو كما يحنو للأجانب بتسميتها ” لندن الصغيرة”، حيث تمتاز المدينة ومداشرها الساحلية بنسبة عالية من الضباب، بسبب الجبال المحيطة بها والضغط الجوي المرتفع، والتيارات البحرية الباردة، وهو ما دفع جمعية ” دار السي حماد الدرهم” إلى استثمار هذا المعطى الطبيعي الخاص بالمنطقة.

وباستجوابنا لأحد أعضاء هذه الجمعية، وإطلاعنا على تصريح عيسى الدرهم على قناة 360 الإلكترونية،[5] تأكد لنا أهمية هذا المشروع، الذي بدأت حوله الأبحاث والتجارب منذ 2006م، وكانت الحصيلة توفير حوالي 7,5 لتر من الماء الصالح للشرب للمتر مربع في الشبكة التي تعترض الضباب على ارتفاع يصل إلى 1225 متر عن سطح البحر، في قمة جبل بوتمزكيدة البعيد عن سيدي إفني حوالي 40 كلم، مما جعلهم يفكرون في تطوير المشروع بشراكة مع مؤسسة ميونيخ ري الألمانية.

وتظافرت الجهود بمساهمة عدد من المستثمرين مغاربة (وكالة الإنعاش الوطني بإفني، المديرية الإقليمية للفلاحة، وكالة الحوض المائي بأكادير ووادنون) وأجانب مثل: (الحكومة الألمانية، جامعة كناريا)،

هكذا ساهم مشروع الضباب في التخفيف من معاناة ساكنة المناطق الجبلية بإدخال الماء لمنازلهم سنة 2015، وري بعض المنتوجات الفلاحية، فاستحق بذلك تتويجه بجوائز أهمها: جائزة  الأمم المتحدة في مؤتمر المناخ كوب 22 بمراكش، إلى جانب جائزة فرنسية وفلندية وإماراتية، ثم جائزة الحسن الثاني للبيئة.

بالموازاة مع مشروع الضباب يظل مشروع تحلية مياه البحر حلا ناجعا لاستدامة الموارد المائية بالإقليم، حيث أكدت رئيسة المكتب الوطني للماء أن هذا المشروع في مراحله الأخيرة، بمحطة ساحل أكلو، وهو مشروع خاص بإفني ويمكن أن يزود في المستقبل تيزنيت.

نثمن من خلال هذا الروبورتاج الصحفي، كل الحلول والمبادرات الرامية إلى ضمان استدامة تزود الإقليم بالماء، وتحقيق شعار : نظم بيئية مستدامة من أجل كوكب سليم.

روبورتاج صحفي من إنجاز التلميذات: ني عواطف – إد لفقيه عفاف – الحيتاني إيمان

من تأطير الاستاذ: الحسين حديدي


[1] – سورة الأنبياء، الآية 30.

[2]- علي المحمدي، السلطة والمجتمع في المغرب نموذج أيت باعمران، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، الدار البيضاء،1989م، ص 27.

[3] – يمكن الرجوع حول هذه الأساليب إلى امحمد مهدان، الماء والتنظيم الاجتماعي، جامعة ابن زهر، 2012م.

[4] – هي عبارة عن صهاريج اسمنتية تحت الأرض تستقبل مياه الأسطح خلال موسم التساقطات.

[5] – تصريح عيسى الدرهم

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة