
أدت مجموعة من التغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي عرفها المغرب إلى تبني نظام الإدارة المحلية في اطار اللامركزية و اللاتركيز والتي أصبحت جزء من الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ببلادنا .
وتعد الجماعات الترابية ، سواء الجهوية أو الإقليمية أو المحلية ،( “الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات ” كما ينص على ذلك الفصل 135 من الدستور في فقرته الأولى ) إحدى الرهانات الأساسية لتحقيق مطلب الديمقراطية المحلية و لتحقيق تنمية حقيقية تساهم في خلق الثروة الوطنية .
فهل استطاعت الجماعة المحلية لسيدي افني أن تكون في مستوى الرهانات المعلنة ؟
بعد استرجاع مدينة سيدي افني الى حظيرة الوطن سنة 1969 (30 يونيو 1969) ، عرفت المدينة تجارب انتخابية محلية تمخضت عنها مجالس جماعية سهرت على تدبير الشأن المحلي لفترة ناهزت خمسين سنة (50 سنة ) أي نصف قرن من الزمن تم خلالها تحقيق مجموعة من المكتسبات .
وفيما يلي أهم المحطات الأساسية في هذه التجارب الانتخابية:
✓ 1969 : تم تشكيل مجلس من الأعيان يسهر على تدبير شؤون المدينة .المجلس ترأسه المرحوم محمد بن تاكي؛
✓ 1976 : تم تنظيم انتخابات جماعية ، أفرزت مجلسا جماعيا برئاسة الأستاذ محمد شوقي من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ؛
✓ 1983 : تم تنظيم انتخابات جماعية ، أفرزت مجلسا جماعيا برئاسة السيد مبارك الحريري من حزب الاتحاد الدستوري ؛
✓ 1992 : تم تنظيم انتخابات جماعية ، أفرزت مجلسا جماعيا برئاسة المرحوم الحسن البوجرفاوي من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ؛
✓ 1997 : تم تنظيم انتخابات جماعية ، أفرزت مجلسا جماعيا برئاسة المرحوم الحسن البوجرفاوي من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ؛
✓ 2003 : أفرزت انتخاباتها مجلسا جماعيا برئاسة المرحوم محمد انجار من حزب الحركة الشعبية ؛
✓ 2009 : أفرزت انتخاباتها مجلسا جماعيا برئاسة السيد محمد الوحداني من الحزب الاشتراكي ؛
✓ 2015: أفرزت انتخاباتها مجلسا جماعيا برئاسة السيد عبد الرحمان فبيان من حزب الأصالة والمعاصرة.
وقد شكلت هذه الانتخابات محطات مهمة في التاريخ السياسي للمدينة ، حيث حظيت باهتمام كبير من مختلف الأطراف الرسمية ، الساكنة ، الأحزاب السياسية و المجتمع المدني باعتبار المكانة الاستراتيجية للعمل الجماعي في تحقيق التنمية المحلية و دوره المحوري في تحريك الدورة الاقتصادية المحلية ، بالإضافة إلى المكانة الادارية للجماعة باعتبارها شريكا للدولة وللقطاع الخاص من خلال مجموعة من الاختصاصات المخولة للمجالس سواء كانت اختصاصات ذاتية أو منقولة أو مشتركة .
إلا أن هذه التجارب واجهتها صعوبات و اكراهات منها :
➢ المستوى العام للمنتخبين (الثقافي ، السياسي ، التدبيري ، العلمي ، الاجتماعي …….)؛
➢ محدودية الوسائل المالية المتاحة للجماعة ، إذ انها تظل دون مستوى متطلبات و أهداف التنمية المحلية؛
➢ سوء تدبير الموارد المالية والمادية المتوفرة؛
➢ الهيكلة التنظيمية الادارية لأقسام ومصالح الجماعة ومحدودية التكوين ؛
➢ ثقل وبيروقراطية المساطر الإدارية ؛
➢ الوصاية الممارسة من طرف الجهاز الوصي و التي تعيق في بعض الأحيان حرية المبادرة وسلطة التقرير مع العلم ان القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85 بتاريخ 20 رمضان 1436 (07 يوليو 2015)يتيح فرص أكثر للمجالس لتدبير شؤون الجماعة بكيفية ديمقراطية ويتيح فرصا لرئيس مجلس الجماعة تنفيذ مداولات المجلس و مقرراته ويتيح للمعارضة ممارسة مهامها من خلال ترؤسها لإحدى اللجن الدائمة مع منحها فرصة طرح أسئلة كتابية على رئاسة المجلس في قضايا تهم تدبير الشأن المحلي……………
إلى جانب هذه الصعوبات ، هناك مشكل اخر يتجلى في العلاقة القائمة بين النخب الفاعلة في مجال تدبير الشـأن المحلي مع النخب الإدارية بمعنى آخر العلاقة بين السياسي و الإداري أي العلاقة بين سلطتين السلطة السياسية المستمدة من إرادة الناخبين من خلال انتخابات حرة ونزيهة و السلطة الإدارة المستمدة من التشريعات والقوانين الإدارية المؤطرة والمنظمة للعمل الجماعي .
فباستحضار التجارب الجماعية التي عرفتها افني المدينة يظهر أن الفضاء المحلي شكل مجالا للتجاذب و الاصطدام و التدافع بين قوى متباينة.
ففي الوقت الذي ترى فيه النخب السياسية المدبرة للشأن المحلي أن الفضاء المحلي هو فضاءها و هي المسؤولة عنه ، هناك في المقابل نخب ادارية ترى فيه فضاء وجب مراقبته وضبطه . وعليه يمكن القول أن تدبير الشأن المحلي خضع و يخضع لتجاذب طرفين غير مستقلين بنيويا ووظيفيا : طرف يؤمن بالمبادرة و الاستجابة لانتظارات من يمثلهم و طرف آخر لديه الهاجس الضبطي و المراقبة من أجل التنزيل الأمثل للمقتضيات القانونية المنظمة للعمل الجماعي و أيضا حتى لا تحدث انزلا قات وممارسات تجعل المصلحة العامة في هذه الفضاءات عرضة للاستغلال و المصادرة.
ولنا في التجارب الجماعية التي عرفتها افني المدينة أمثلة نوجزها، دون الدخول في التفاصيل، فيما يلي:
(الجدول التوضيحي أسفل المقال)
الى جانب هذا الاصطدام واللانسجام ، يحق لأي متتبع للشأن المحلي أن يتساءل :
➢ من المستفيد من هذه التوترات التي صاحبت اغلب التجارب الجماعية ؟
➢ هل كان هناك صراع قانوني واضح مع السلطة أم أن هذه الصراعات كانت مفتعلة لحسابات ما ؟
➢ إلى أي حد استطاعت هذه المجالس تنفيذ برامج عملها السنوية وأن توفر الاعتمادات المالية الكافية لتنزيلها ؟
➢ إلى اي حد استطاعت هذه المجالس تقليص معدل الفقر و البطالة في المدينة ؟
➢ إلى أي حد استطاعت هذه المجالس تطوير مواردها المالية الذاتية ؟
➢ إلى أي حد استطاعت هذه المجالس جلب استثمارات منتجة لفرص الشغل ؟
➢ إلى أي حد استطاع المجتمع المدني المحلي، باعتباره فاعلا ترابيا، ممارسة مهامه في المراقبة والاقتراح ؟
أسئلة كثيرة يطرحها المتتبع للشأن المحلي ، وهي أسئلة مشروعة تستمد مشروعيتها من الغيرة على هذه المدينة وعلى الشأن المحلي ومن الحس المواطناتي و من الرغبة في المساهمة في اطار المسؤولية الجماعية من أجل اعطاء نفس جديد للعمل الجماعي لتجاوز بعض المعيقات التي تعيق جعل الجماعة في خدمة المواطن.
واعتقد أن المدخل الأساسي لجعل الجماعة أداة أساسية للتنمية المستدامة وتفادي مجموعة من المشاكل هو الانتقال بالعمل الجماعي من مرحلة التسيير التقليدي ،والذي ابان محدوديته في التجارب السابقة سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو بيئيا ، الى مرحلة التدبير الحديث سواء كان تدبيرا استراتيجيا أو تشاركيا أو مبنيا على النتائج كما هو منصوص عليه في مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14 وذلك لرفع التحديات المطروحة سواء على مستوى خدمات القرب التي تهم الساكنة المحلية أو على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية وهذا يتطلب :
• كفاءات ونخب سياسية محلية واعية ومسؤولة ، ديمقراطية ، نزيهة ،ذات مصداقية ، قادرة على تدبير الاختلاف وعلى التواصل و الحوار و التفاعل الايجابي مع الآخر ،قادرة على التشاور والتنسيق ،قادرة على التفاوض وحل المشاكل ، قادرة على جلب المستثمرين ، قادرة على التدبير المعقلن لشؤون الجماعة من خلال قدرتها على ممارسات الاختصاصات التي يمنحها لها المشرع سواء كانت ذاتية أو منقولة أو مشتركة …..
• نخب قادرة على بلورة برامج عمل واقعية ، باعتبارها الوثيقة المرجعية للجماعة لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع انجازها بتراب الجماعة ( المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14 ) ، بمقاربة تشاركية وتوفير الاعتمادات المالية الكفيلة بتنزيلها ؛
• نخب قادرة على بلورة مخططات للتنمية المحلية لتحسين بعض المؤشرات كالبطالة والفقر و الهشاشة ؛
• نخب مستعدة للمساءلة في اطار ربط المسؤولية بالمحاسبة ؛
• نخب قادرة على التحصين القانوني للعمل الجماعي في إطار مبدأي المسؤولية والشفافية ؛
و في هذا الصدد ، فالأحزاب السياسية لها دور كبير في تحقيق ذلك على اعتبار الأدوار المنوطة بها دستوريا وأيضا على اعتبار مسؤولياتها في منح التزكيات للمترشحين أثناء الانتخابات .
كما أن المواطن يتحمل جزء من المسؤولية سواء تعلق الأمر بعزوفه عن التصويت أو أثناء اختيار من يمثله عبر صناديق الاقتراع .
ذ.جامع مرابط

الشكر الجزيل الاستاذ جامع على هذه الورقة التي قدمت لمحة تاريخية للتجربة السياسية للمدينة بعد الاستقلال الى اليوم لاسيما طبيعة الاشخاص والاحزاب التي اتيحت لها فرصة تدبير الشأن المحلي. فالورقة كذالك وضعت الاصبع على الذاء الذي هو مسؤولية المواطن في اختيار النخب التي تمتله. هذا الامر، مع كامل الاسف لم يتبلور مفهومه بالشكل الأمثل لذى ساكنة المدينة. الشئ الذي خلق اختلالات جمة في التسيير محليا. ولعل النموذج الحالي يعبر عن صدق ما نقول. فالمصالح الشخصية حلت محل مصالح المواطن. و سياسة الولائم لاشك توتي اكلها كل حين . هذا ما لاحظناه في السنة الماضية في ساحة المطار، ليس لسواد اعين الساكنة لكن لعلة في نفس يعقوب…. على كل حال شكرا لك استاذي
انطلاقا من تحليل الاستاذ مرابط لتاريخ التسيير الجماعي بمدينة سيدي افني بتضح جليا أن المجالس الجماعية بسيدي افني تتحمل قسط وافر من المسؤولية في الازمة التي عاشتها ولاز الت تعيشها أجيال من المنطقة .فالمستوى العام للمنتخبين(السباسي،الثقافي،العلمي………) كما جاء في التقرير يعد من المعيقات التي أدت إلى انتكاسات متتالية وفشل التجربةالجماعاتية المدينة. أن شرارةا لاحتجاجات الأولى التي اندلعت بالمنطقةفي 2005 كانت موجهة
بالخصوص صوب فشل المجلس الجماعي انداك في تدبير الشأن المحلي.