
محمد سالم الطالبي
عندما كان رئيسا للمجلس البلدي، و كان يستقبل انفصاليي الداخل على مرأى ومسمع المخزن في إشارة “زعما” انه القادر الوحيد على اشعال الفتنة، بل و كونه قادر ايضا على وضع رجل في مؤسسة المخزن و رجل ثانية في المكان الاخر الذي يمكن أن يتحول الى مصدر إزعاج للدولة، في اللحظة التي يتوقعونها الاقل، كان يبعث من منظوره المريض طبعا رسالة ابتزاز مفادها على ان السلطات يجب ان تتركه حرا طليقا يعبث كما يشاء في مؤسسة الدولة المنتخبة، والا فالنيران ستشتعل لامحالة في تلابيبها.
و دارت الايام و انفرط عقد المصدر الحقيقي للإزعاج وهو الحق الذي كانت تتشبث به الساكنة وراء جماعة عندما كانت ترى الحق حقا ولا تتردد في اتباعه و ترى الباطل باطلا و لا تجد ادنى حرج في اجتنابه.
اذكر انه حللنا ضيوفا على دار المرحوم سويلم سبع الليل في إحدى الايام المشهودة و المشهورة في آن واحد، بعد حفل الاستقبال الذي سهرت على اعداده شخصيا بكل تفاصيله بدءا من تحضير الاجتماعات الماراطونية و ترأسها، مرورا بتشكيل اللجان، انتهاء بتأطير اللقاء و تقديم كلمة من وحي المناسبىة..
المهم انه وبينما كنا مستلقين في غرفة الاستقبال بدار سويلم سبع الليل، رحمه الله، منتشين بقطع باخرة السكرتارية التي فر منها الفئران تباعا مع استشعارهم خطر العملية الامنية الواسعة ، مرحلة مصيرية ورسوها امنة في مرفآها الاخير، أطل المرحوم من باب الغرفة فجأة، وأشار بيده نحوي موجها كلامه الى الحاضرين بلكنته الحسانية : ” هداك الى فرطو فيه عرفو عنكم مشيتو كاملين”.
وستظل هذه الكلمات، التي مازال صداها يتردد في اذني، والتي ليست بالمرة اضغات احلام لوجود شهود أحياء، شهادة اعتز بها شخصيا تكفيني و تعفيني من كل شهادات الزور التي تطبع سلوك المنافقين وما اكثرهم حسب توقيت العلاقات الشخصية و المصالح السياسي، اذ حرص كثير منهم العمل بكل الوسائل على تلطيخ سمعتي لشعورهم بان التاريخ كشف كل واحد على حقيقته في الزمن و المكان المناسبين.
ودارت الايام ليأتي اليوم الذي يعزل فيه المخلوع و لم يخرج الي الشارع احتجاجا على قرار العزل المبارك هذا سوى قلة قليلة لا تتعدى أصابع اليدين جلهم نساء من العائلة والاقربين.
وسيأتي من بعد ذلك بيدق اخر وصل إلى رئاسة المجلس البلدي نتيجة تحالف اليسار و اليمين و”اسلاميي” العدالة والتنمية، مرورا برموز الفساد الذين اجتمعوا مع باقي البيادق بدعوة صريحة من رموز “العسكرتارية”، المنقلبة على خط السكرتارية، للوقوف ضد انتخابي رئيسا للمجلس البلدي. و نسي هؤلاء ولربما تناسوا انني لست الشخص الذي يتوسل الاصوات أو يلقي بكرامته على طاولة التفاوض للجلوس لاحقا مقيدا على كرسي عابر!
واليوم ها نحن نجلس من جديد في قاعة انتظار مملة ممنين النفس بنهاية قريبة لرحلة “حماق” من طينة اخرى يقود قطاره هذه المرة رئيس يعتقد بأن “هبل تربح” سياسة فعالة مع الجميع، و ان وضع “العكر فوق الخنونة” كفيل بإخفاء معالم التسيير الكارثي الذي ورثه و تفاعل معه، حيث كان يكفي انتظار شوط واحد من الامطار لتعري واقع الطرق “الالتفافية” التي “كربشها” بلا دراسة ولا هم يحزنون، لا لشيء سوى ليظهر بمظهر رئيس “خدام”، شأنه في ذلك شأن باقي الحمقى الذين سبقوه.
لهذا كله فقد كان من الضروري ان نحصد وضعا مزريا اليوم هو بالنهاية نتيجة طبيعية لهذه الكوارث غير الطبيعية التي افرزتها صناديق الاقتراع.
إن هدا الزخم من “الهبال” المتواصل و المتسامح معه الى حد التخمة داخل الاحزاب السياسية لهو المسؤول الوحيد عن معاناة مدينة جميلة في مجالات كثيرة ليس اقلها قطاع الصحة على سبيل المثال لا الحصر لدرجة ان مواطنا مصاب بالقصور الكلوي يضطر للاعتصام في العراء امام مركز لتصفية الدم لعله يجد علاجا لمعضلته المأساوية .
لهذا فمن يريد بالفعل أن ينقذ البلاد والعباد من هذه الشرذمة الضالة التي تعتبر في الحقيقة نسخة طبق الأصل لأخرين يعدون العدة معتمدين على بيادق و زواحف لا شيء يشغل بالها سوى التزلف و التملق لأسيادها، ما عليه سوى ان يتسلح بنوايا “انتحارية”، بمعنى استعداده الدائم ليخسر الجميع من اجل أن تحيا الفكرة وان لا يضيع المبدأ، حتى لو تطلب الامر ان يكون صوتا معارضا واحدا في محيط من التبع، فليس التسيير غاية بحد ذاته، وأن يخاطب الناس بما يقض مضاجعهم لا بما يطرب اذانهم، انه اللقاح الوحيد الذي من شانه تقوية مناعة الجسم الانتخابي على المدى البعيد كي يصير موقع المنتخب يوما ما في مأمن من خطر هذه الفيروسات المنتشرة في مياه السياسة الراكدة، و حتى لا يعود إلى السلطة احمق اخر يعاني انفصاما في الشخصية، لأنه سيكلفنا في الحقيقة الكثير من الجهد والوقت قبل تحييده و تمريغ انفه في التراب. و لأننا في النهاية “ممساليينش لبحال هاد الماركات”.