محمد اكينو -جنوب المغرب
توشك الشمس على المغيب خلف قمم جبال باني بجنوب المغرب، ويقف الحسين وهو رجل خمسيني بجوار خيمته التقليدية على سفوح هذه الجبال وكفه فوق حاجبيه في محاولة لحجب اشعة المغيب عن عيونه من اجل النظر بعيدا بحثا عن اثر لقطيع لاغنام التي تسرح في الجوار،وقد حان وقت عودتها..الحسين رب اسرة من الرحل يقول انه يمتهن تربية الماشية وحياة الترحال منذ صغره وهي نمط حياة متوارث هنا ابأ عن جد..
أمام الخيام المنسوجة من الاثواب يلعب أطفال مع جديان تركض في انتظار عودة القطيع في هذا المساء ..لم تمنع العواصف الرملية التي تهب على المنطقة الرجال من احتساء اكواب من الشاي الصحراوي الأصيل في الهواء الطلق، فيما تنهمك النسوة في اعداد طعام العشاء فوق نار هادئة..
الحسين نصب خيامه هنا منذ شهر فبراير الماضي الى جانب خيمة ابن عمه بوزيد،وولم يستطع التنقل الى أي منطقة أخرى بسبب جائجة كورونا التي حرمت الرحل من حرية التنقل بسبب الإجراءات الاحترازية المعمول بها في البلاد لمحاصرة الوباء ..
ويعيش مجتمع الرحل في المغرب معاناة مزدوجة ناجمة عن الاثار الوخيمة لانتشار فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني واغلاق الأسواق الاسبوعية خلال مرحلة الحجر الصحي التي دامت في المغرب لاكثر من ثلاثة اشهر، وهذه الأسواق هي مورد رزق الوحيد للرحل،وتتعمق معانتهم اكثر بسبب تزامن الجائحة مع موسم الجفاف الذي يحرم ماشيتهم من الكلأ والمراعي الخصبة.
إجراءات احترازية ومعاناة
ولعل التباعد والعيش في الصحاري بعيدا عن التجمعات السكانية مكن من سلامة مجتمع الرحل من انتشار الوباء بسبب العادات الاجتماعية ونمط العيش في الصحاري ولم تسجل في صفوفهم لحد الان اية إصابات وفقا للمعطيات والافادات التي حصلنا عليها.
ويقول الحسين في حديث خاص لنا ان جائحة كورونا وصل صداها وتداعياتها أيضا الى الرحل في المناطق النائية في الصحاري والجبال في جهة كلميم واد نون بجنوب المغرب، ونالوا حظهم من الاضرار الكبيرة التي خلفتها ولا تزال على الاقتصاد والعاداة الاجتماعية.

واسترسل الرجل الخمسيني قائلا : نقوم باحترام الإجراءات الاحترازية المقررة رسميا اثناء تنقلاتنا الى المدن لقضاء اغراضنا” مضيفا :”أن عادات التنقل والترحال التي درج عليها الرحل لم تعد بتلك الحرية التي اعتدنا عليها،يلزمنا حاليا الحصول على وتصاريح التنقل من السلطات المحلية”
وأشار المتحدث الى ان موجات الجفاف التي ضربت المغرب خلال السنوات الماضية زادت من تفاقم اوضاعنا المعيشية حيث لم تعد قيمة كبيرة للمواشي في الأسواق التي أغلقت هي أيضا لفترة طويلة بقينا فيها دون مورد رزق “.
مبادرات لمساعدة الرحل
ويقول الحسين الوزاني رئيس جمعية اخيام في تصريح صحفي خاص أن جمعيته قامت بمبادرات اجتماعية لفائدة الرحل في منطقة املشيل بالاطلس الكبير، خلال فترة الحجر الصحي من اجل مساعدتهم للتخفيف من اثار جائحة كورونا” مضيفا أن اكثر من 150 اسرة من الرحل استفاذت من خذه المساعدات التي قدمتها جمعيته وهي عبارة عن المستلزمات والمواد الغدائية الأساسية،ووفرناها يضيف المتحدث بالتنسيق مع السلطات المحلية والاقليميىة ومجموعة من المحسنين والفاعلين المدنيين “.
ويرى الفاعل الجمعوي ذاته ان جائحة كورونا كان لها اثر كبير على الأوضاع المادية والاجتماعية للرحل في المنطقة بسبب اغلاق الأسواق الأسبوعية التي يرتادها الرحل لبيع مواشيهم وشراء حاجياتهم”.

وبالتنسيق مع السلطات الصحية-يضيف الوزاني- قمنا “بحملة صحية وتحليل لافراد العائلات من الرحل للكشف عن كوفيد 19 ضد وقمنا أيضا بماردات للتوعية والتحسيس من أجل احترام الإجراءات الاجترازية للوقاية من كوفيد19 في صفوف الرحل،والحمد لله كانت نتائج تحاليلهم جينها كلها سلبية “.
ويدعو الفاعل الجمعوي في ذات التصريح الى مساعدة الرحل في تجاوز هذه المرحلة الصعبة جدا عليهم بسبب قيود التنقل المفروضة في هذه المرحلة،خصوصا اننا مقبلون على موسم الترحال خلل فصل الشتاء حيث يتوجه الرحل الى المناطق الشرقية والجنوبية بحصا عن المراعي في المناطق الدافئة،وبالتالي- يضيف المتحدث- “سيحتاج الرحل الى اخد تصاريح للتنقل وإجراءات من السلطات المحلية “.
غياب الدعم والاطار القانوني
من جهته يرى سالم بيكاس وهو محامي وباحث مهتم بقضايا الرحل في المغرب أن “فئة البدو الرحل هي فئة تعاني في صمت خلال هده الفترة ، وحتى قبل ظهور جائحة كورونا، وذلك بسبب موجة الجفاف الحاد التي شملت الجنوب والجنوب الشرقي للمغرب باعتباره امتداد الجغرافي والرعوي للمغرب”
وأضاف المتخصص في قضايا الرحل في تصريح صحفي خاص الى ان “غياب الدعم الكافي من وزارة الفلاحة عبر توفير العلف المدعم ،إضافة الى غياب مبادارت مسؤولة من اجل تسويق المنتوج وفقا لمعايير القانونية وذات جودة ،وكذلك عدم تنظيم القطاع وهيكلته لحد الان، حيث لا يزال قطاع تربية الماشية لدى البدو الرحل قطاعا غير مهيكل وغير منتج من الناحية القانوينة.

وأشار بيكاس الى ان جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية تضررت خلال هذه الجائحة في المغرب وخارجه وكذلك فئة البدو والرحل تضررت بشكل كبير من خلال اغلاق الاسواق الاسبوعية التي كانت المتنفس الوحيد من أجل تسويق المنتج المحلي اضافة الى تقييد حركة الترحال على اعتبار ان هذه الحركة في المغرب غير مضبوطة وغير منظمة لا من الناحية القانونية والواقعية وامتدادت هذه الازمة على الرحل يمكن ان ننطلق من الحاضر بسبب قلة الادوية والاعلاف، ز يوميا نشاهد معاناة الرحل من خلال نفوق مئات رؤوس الاغنام بسبب الجفاف ونذرة التساقطات المطرية،فضلا عن الامراض الموسمية ، وكذلك ضعف الطلب وانهيار الأسعار.
ويرى المتحدث ان النقاش الذي اعقب مشروع قانون تنظيم الترحال والمراعي لاقانون 113/13 ساهم أيضا في الازمة، وكذلك اقبال الرحل على تفويت قطعانهم بأثمان بخسة تخوفا من تأثيرات الجائحة والجفاف خاصة الجنوب الشرقي والجنوب منذ فترة .

وردا على سؤال عن مستقبل الوضع قال سالم بيكاس :قطاع الترحال والمراعي منتج يمكن ان يحقق للمغرب الاكتفاء الذاتي دون حاجة الى استيراد اللحوم مقارنة مع دول اخرى ، وبالتالي يجب على الدولة -وفقا للمتحدث- ان تتحمل مسؤوليتها بما يضمن لهذا القطاع منتوجيته وفعاليته بين القطاعات الفلاحية ويجب على الدولة هيلكة القطاع وتنظيمه وفقا للمعايير واحداث مراعي بالنسبة للرحل كذلك عليهم مسؤولية وتوحيد جهودهم من خلال خلق اطارات ومؤسسات وجمعيات وتعاونيات كباقي المجالات الاخرى وروباط قانونية للتواصل مع المؤسسات والقطاعات الحكومية .
أبناء الرحل و التعليم عن بعد
أغلقت المدراس والمؤسسات التعليمية خلال فترة الحجر الصحي في المغرب،وتم اعتماد التعليم عن بعد، ولقي أبناء الرحل صعوبة في مواكبة دروس التعليم عن بعد بسبب عدم توفرهم على وسائل والأجهزة الالكترونية لمتابعة هذه الدروس عبر الانترنت إضافة الى غياب او ضعف تغطية الهاتف المحمول والانترنت في بعض المناطق الجبلية التي يستقر بها الرحل..

وتتفاقم مشكلة أبناء الرحل في ظل الوضعية المادية المزرية التي تمر منها العائلات التي تمتهن الترحال والرعي بسبب استنفاذ مدخراتها في شراء الاعلاف لإنقاذ قطعان الماشية التي يملكونها والتي يعتبرها البدو الرحل عماد معيشتهم وجزء من ارثهم الاجتماعي الذين يتوارثونه أبا عن جد .