
وجد البعض في فشل “المعارضة” في الانقلاب على رئيس المجلس الجماعي الحالي، مناسبة للضرب على وتر السياسة، و محاولة تغيير مجرى اهتمام الرأي العام كي ينصب في نهاية اللعبة في مصلحة ما سمي زورا بالمعارضة.
وهكذا تفتقت عبقرية السياسيين التافهين في إبداع أشكال التعبير عن حجم الخسارة التي حلت بسيدي افني بسبب “خيانة” بعض المستشارين لوقوفهم في وجه حركة الانقلاب على الرئيس بموجب المادة 70 المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم 113-14.
وحتى لا يخطأ أحد في العنوان، ويخلط فقره المبدئي مع الشجاعة المفقودة، فأنا لست مدافعا عن الرئيس الحالي، ولم اكن ولن أكون أبدا، والدليل على ذلك أنني هاجمته بالنقد العلني، وهو مالم يجرؤ على فعله أحد بمن فيهم من يسمون انفسهم زورا بالمعارضة، والذين لا يتردد أغلبهم في التقرب اليه متى دعت “الحاجة” الى ذلك.
والواقع أن تغيير الرئيس ب”راس” آخر لن يفيد شيئا طالما أن الكفاءات غائبة بالإضافة الى كون التدبير العقلاني للشأن المحلي ليس موجودا بالمرة على لائحة الاولويات للمنتخبين، فتصفية الحسابات العالقة و المصالح الشخصية هي المحرك الأول لكل مبادرة تأتي من طرف هؤلاء حتى لو تزينت بالمصلحة العامة عند خروجها للعلن.
بمعنى أن الدوافع الكامنة وراء الرغبة في التخلص من الرئيس الحالي لا علاقة لها البتة بما يتم التسويق له هذه الأيام من مغالطات الغرض الوحيد منها صناعة أبطال من ورق في افق الانتخابات القادمة، و الابتعاد عن مصدر الأزمة السياسية الحقيقية التي أصلها الثابت الأحزاب السياسية مجتمعة. فهذه الاخيرة هي التي اقترحت على المواطنين لائحة لأشباه الأميين، _لأنهم لا يرقون في النهاية حتى الى مستوى الأمية _، الى جانب الفاسدين، بمن فيهم الرئيس الحالي الذي ما كان ليصل إلى منصب الرئاسة لولا دعم حزب العدالة والتنمية المنافق ، و نفوذ البرلماني ابدرار عن حزب الأصالة والمعاصرة ، والتي اكتفت كلها بالجلوس متفرجة في قاعة انتظار التغيير بمجرد إعلان النتائج و تشكيل المكتب المسير للجماعة، دون أن تكلف نفسها عناء التأطير والمتابعة و الإبقاء على جذوة العمل الحزبي مشتعلة انسجاما مع دفتر تحملاتها المنصوص عليه في الدستور.
إلا أن الدستور بالنسبة لها لا يعدو ان يكون مصدر تشريع للحقوق السياسية والمدنية أما ما يتعلق بواجبها في التأطير فذاك شيء لا يعنيها إطلاقا.
وهنا تطرح اشكالية حقيقية متعلقة بالدرجة الاولى بعجز الفاعل الحزبي عن تفعيل أبسط مضامين دستور دعا الناس الى الخروج من منازلهم للتصويت عليه في استفتاء 2011، ونرى اليوم، مقابل ذلك ، كيف تحول هذا الفاعل الحزبي المفعول به سياسيا إلى اول متنكر له بعد فشله في ترجمة الشعارات الانتخابية الى واقع ملموس.
لذلك فوراء اختزال الأزمة المحلية في المطالبة بإقالة الرئيس ، وإعطاء الانطباع بوجود امل في التغيير ، كما لو أن رئيسا مخلصا سيأتي بعده، يكمن الجحود المفضي الى الخيانة العظمى، و إمعان في التستر عن الخطيئة نفسها التي تعبر عن نفسها من خلال إرادة سياسية ترفض التغيير الذاتي، و تخطط للتآمر على مصالح الناس من جديد، تحت شعار ات كاذبة، عوض مصارحتهم بمرارة الحقيقة التي لا يجد السياسيون بلا استثناء غضاضة في لي عنقها ليا.
لقد تناسى الكثير من الذين انساقوا وراء تيار الشعبوية هذه الايام، وسقطوا في فخ ما يسمى بالمعارضة ، انهم الى الامس القريب كانوا يتحدثون عن قصة الخرفان الشهيرة قبل العيد ، فمالذي يمكن أن ننتظره ياترى من “راس” حل محل “راس”؟ّ!
“و حلووووف كرموس ابلادي¨!”
إن من يفكر بعمق في إخراج المدينة من هذه المتاهة التي أدخلها السياسيون الفاشلون إليها لا يحتاج في الواقع للكثير من الذكاء للخروج باستنتاج منطقي وهو أن الاحزاب السياسية هي التي جنت على المدينة، وليتها كانت على شجاعة براقش لتجني على نفسها لوحدها، والمشكلة أنها لا تزال مصرة على بيع الوهم في احتقار غير مقبول لذكاء الناس الذين يلجأون اليهم مع ذلك في كل مناسبة انتخابية.
و لا أدري بالمناسبة لماذا يوجه بعض المحتالين سهام النقد للناس كلما وجدوا أنفسهم خارج سياق اللعبة الانتخابية، أو فشلوا في حصد شعبية يريدون ان تكون ملكا دائما لهم، وهو ما يفضح نية الاستعباد والاستبداد لديهم، والحال ان الناس لا ذنب لهم في كل هذا اللغط، ببساطة لاني اتحدث عن تجارب مؤرخة و متكررة صوت فيها الناس أنفسهم بالاغلبية لصالح احزاب منحوها ثقتهم الكاملة، ولم يلتفوتوا للاموال و لا “للزرود” و كان لسان حالهم يقول : “بلا فلوس بلا برقوق و …فالصندوق”، و بقية القصة تعرفونها..
وفعلا، فقد كان الناس يلتزمون بما وعدوا به، من كان يطعن في الظهر، و ينفصل عن “مبادئه”، ان كان لها وجود أصلا، هم السياسيون الفاشلون، مرتزقة المناصب و الجاه، و البروتوكولات التي تسيل لعابهم.
واذا كان هناك من تفاجأ اليوم من التحول الذي طرأ على كيفية اتخاذ القرار الجماعي بحيث يعتبر ان الناس مالوا باتجاه اصحاب “الشكارة”، وهم من يتحملوا المسؤولية عن النتائج، فاني هنا اقف مدافعا عنهم استنادا الى التجارب السابقة، حيث لم يكتفوا فيها بالتصويت لصالح الخطاب “النضالي” فقط، على مدى العقود الماضية، بل كانوا ينخرطون قلبا وقالبا من أجل حسم معركتهم الانتخابية.
لذلك فليس من حق تجار السياسة أن يحرفوا النقاش عن مساره، ولا أن يُخونوا خصومهم طمعا في تزوير الحقائق للظهور بمظهر الأبطال، فالذي من حقه ان يغضب، ويُحمل المسؤولية، ويوجه سهام النقد في الاتجاه الذي يريده هو الشعب وحده لا شريك له في هذه القضية برمتها.