
استطاع هؤلاء أن يصنعوا هدفا لحريتهم ألا وهو تقديس أفعال الخير، فكل سلوك خيري ـ في نظرهم ـ يجب أن يتحرر من كل وصاية أي أن يصبح فعلا خيريا حرا يقدس الخير لذاته، وهكذا ساهموا في ولادة جديدة لأفعال الخير فيهم وأرادونا أن نعيش تجربتها جميعا فأرادوها ثورة في طريقة التفكيرتصنع مستقبل فعل الخير الحر النابع من القلب مطهرا من كل نية تجارية. لكن، من هم هؤلاء؟
هم الساهرون على خدمة أناس بدون مأوى بمقر”Almoggar D’art” لجمعية ” فن وايقاع ” .
هم أولئك الذين يودون تنشيط أطفال ما وجدوا إليهم سبيلا، فأنشأوا على الفيس بوك صفحة Ar Ifni التواصلية أثناء زوبعة covide 19 لأنشطتهم الترفيهية كدعم نفسي لأطفال تحت الحجر الصحي بمشاركتهم فرحتهم بأعياد ميلادهم، ولفت الانتباه الى ضرورة التخفيف من ضغوطات الحجر الصحي على الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة من حالات التوحد والإعاقة.
هم مبدعي صفحات في التواصل الاجتماعي الإلكتروني خصصوها للثناء والاعتراف بما كرسه أساتذتهم من جهد وتضحية في سبيل تعليمهم وتكوينهم.
هم نساء ورجال التعليم الذين يسهرون على إعداد العدة بإمكانياتهم المتواضعة لإيصال المعرفة لتلاميذهم وطلبتهم في سبيل الواجب وفي سبيل أبناء مدينة حرة.
هم المحتفون بفناني إفني وبرياضييها على مر الأجيال فيما ينشرون على صفحاتهم على فايس بوك.
هم منقذو عنزة عالقة بأحراش إفني لأربعة أيام.
هؤلاء جميعا يحركهم الواجب فيدفع بهم إلى اقتحام مجاهل بعدة متواضعة لا يسألون أجرا ولا يشترطون تعويضا لأنهم ببساطة أبناء مدينة حرة، لا تركع لكل ما هو مادي متعال..
أفعال هؤلاء جميعا نابعة من الخير كعاطفة أولا ثم تطهرت من كل شر أي من كل استغلال، فنالت رضى الخيرين البسطاء. تطهرت من عنف وتطرف الخير حين يراد منه أن يترجم إلى أصوات انتخابية لصالح فلان أو علان وفق تخطيط مسبق فيزدوج التطرف والعنف على البسطاء.
حان أوان تطويق الاحسان باعتباره تمظهرا للخير إذا كان منبعه من شرور الطغيان والسيطرة وتشجيع احسان البسطاء وتقويته وعقلنته بالفكر الحر النبيل، أي تحطيم أصنام الاحسان النفعي وتحرير الخير من الاغتراب والغايات المصلحية وإعادته إلى جوهره الإنساني المتعالي عن كل عصبية دينية أو قبلية أو لغوية أو حزبية سياسية.
حان الأوان أن تفكر نخب المنطقة من شتى الاهتمامات في تطوير التضامن الاجتماعي المؤسس على معايير كونية والمسير بخبرات التسيير الحديث بإفني ومحيطها، في إطار مؤسسة تضامنية مستقلة، لتسير الأمور نحو واقع أحسن، وليتحقق هذا من حقنا أن نتساءل عن كم من نزعات الشر علينا أن نصارع فينا في سبيل خلق هذا العمل النبيل، فالخير والفضيلة والجرأة لها دائما أعداء.
حدثان أساسيان في تاريخ إفني في عقد من الزمن أولهما انتفاضة 2008 وكان شعارها:” جميعا من أجل إفني آخر” مطالبة بالتغيير وثانيهما انتفاضة 2020ضد كرونا وما عرفته من انخراط خرافي في عملية تضامنية عفوية بين سكان إفني، وبهذا تبدو إفني في رد فعلها في الحدثين معا وكأنها تردد عمليا عبارة الفيلسوف الفرنسي سارتر:” لا يمكننا أبدا أن نستأنس بالموت ” .
أحمد زاهد