ما الذي دار بخلد فاطمة وهي تركب قارب الهجرة؟!

3 يناير 2020
ما الذي دار بخلد فاطمة وهي تركب قارب الهجرة؟!

صعب أن تجد مواطنة نفسها مجبرة على الرحيل..مجبرة من دواخلها على الرحيل.. لا أحد يمكنه أن يحس ذلك بكل مرارته و عفويته و بساطته إلا من أحس اليتم يوما..
لكن يتما كهذا الذي دفعها للرحيل أكثر إيلاما.
قصة الشابة المعطلة فاطمة ابودرار صادمة ومؤثرة،الشابة مريضة بالسرطان غامرت بالهجرة عبر قوارب الموت الى جزر الكناري بعد معاناة مع المرض والعلاج،وصلت سالمة الى هناك وكتبت تدوينة مؤثرة…
قصة فاطمة نموذج مأساوي لظاهرة الهجرة السرية للنساء التي تتنامى بشكل كبيرفي السنوات الاخيرة، بعد ظاهرة هجرة الاطفال القاصرين التي هزت فواجعها الراي العام في السنوات الماضية..
الفيديو على صفحة فاطمة،و التدوينة قبله، يشرحان كلّ شيء.
المعاني كثيرة، والصورة تحمل الكثير من التأويلات والمشاعر، لكن الأثر الذي يبقى بعد أن تفنى كل الصور، هو ملامح فاطمة، التي تظهر في الفيديو، متكئة على طرف القارب، بعينين ضيّقتين قليلا من محاولة الابتسام أو من هواء البحر أو من حرج المصوّر، شبه ضاحكة، بوجه أصفر، تحاول أن تظهر أمام الكاميرا بكامل شجاعتها وأناقتها الأنثوية البريئة. ثم وهي تلوّح بيدها لترسم علامة النصر… ما الذي دار بخلد فاطمة وهي تركب قاربا صغيرا في فصل العواصف والبرد؟ هل راودتها في لحظة ما، وهي تعبر البحر، رغبة في القفز من هذه المسرحية وإسدال الستار قبل الوصول إلى خط النهاية؟ هل تكاثفت، في دواخلها، مشاعر الخوف من الغرق أم أحست ألم المرض أم راودتها رهبة اكتشاف العالم الآخر؟ هل توازت المشاعر أم تداخلت فغطّى بعضها على بعض؟ هل فقدت إيمانها بالحياة وهي تدفع جسدها المريض نحو الموت في البحر هربا من الموت على السرير؟
تذهب فاطمة إذن، في قاربها العتيد، من مرضها المادي الصريح إلى حتفنا المعنوي الصريح الشاهد على الضعف وقلة الحيلة ورُخصِ المواطن المغلوب على أمره. ترسم رحلتها ملامح امرأة تُدين عطب السياسيين ولؤم أصحاب المال الذين يتهربون من الضرائب ويكنزون الذهب والفضة ولا يفكرون في تمويل صندوق السرطان ولو بفتات موائدهم، وكأن الطعام الذي يبيعون في السوق لا يسبب المرض. تذهب إلى مصيرها ونعود إلى مصائرنا.
هنيئا لنا إذن، فقد انتصرنا على فاطمة وأرسلناها في قارب صغير نحو بلاد أخرى لتبحث عن مصلحتها- فهي أدرى-وعدنا سريعا لنحتفل برأس السنة ونشرب الأقداح. لقد انزاح الحمل عن كواهلنا بعد أن تخلّصنا منها ورميناها في البحر. لم تعد تعنينا في أي شيء إذن. هنيئا لنا بالسنة الجديدة وبالسنوات القادمة، فقد اكتشفنا الحل السحري للتخلص من المرض اللعين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة