محمد أنفلوس
كل تشابه بين احداث الفيلم وما يدور في جهة كلميم واد نون هو من سوء نية القارئ
في اخر مشهد من فيلم “الطيب والشرس والقبيح” يقف ثلاثة من رعاة البقر مسلحين وسط مقبرة،لا يتبادلون أية كلمة،مشهد يلفه الصمت والرهبة ، لاحوار فيه ولا كلمات، كلّ ما نسمعه هو طنين الذباب ثمّ صوت اليد تتحسس جراب المسدس ومشهد الوجوه المغبرة الشرسة غير الحليقة .تقترب الكاميرا شيئًا فشيئًا من وجوههم المليئة بالترقب والتعب، وتنزل بضع قطرات من العرق على الجلد المجعّد من تحت القبّعات القديمة.يظهر صوت الهارمونيكا الحادّ، والذي يشي بأنّ شيئًا ما سيئًا على وشك الحدوث.
يبقى المشهد خاليًّا من أيّ حوار، لكنّ صوت الهارمونيكا لوحده كان كفيلًا بخلق عشرات الحوارات وتأليف الكثير من السيناريوهات في عقل مشاهد الفيلم. سيكولوجية كاملة من الخوف والقلق والترقّب بناها ذلك الصوت الذي استمرَّ طوال مشاهد الفيلم.
القصة تدور حول ثلاثة رجال يتنافسون خلال الحرب الأهلية، للعثور على ثروة مدفونة من ذهب الدولة، وسط فوضى عنيفة من الاشتباكات المسلحة والشنق ومعارك الحرب الأهلية ومعسكرات الاعتقال.
حتى لو لم تكن شاهدتَ الفيلم، فلا شك أنك سمعت اللحن العبقري الذي كتبه الموسيقار الإيطالي إنيو موريكوني. كما أن هذا الفيلم جعل من كلينت ايستوود نجمًا بعد ما كان ممثلاً متوسط المستوى يمكن نسيانه بسهولة.
أولا اللعبة السياسية في جهتنا لها قوانينها وأوراقها ودهاليزها،فالفيلم يدور في عالم مليء بالرعاع والأوغاد والسدج .. الأبطال أنفسهم لا يختلفون عن الأشرار كثيرًا. الحوار شحيح جدًا.. الموسيقى صاخبة ومستمرة، وتبدو كأنها أحد الأبطال.
ثانيا يدور الفيلم على خلفية من الحرب الأهلية الأمريكية بين ابناء الوطن الواحد والاسرة الواحدة، حيث يعلمنا درسه الخاص: أن تكون البلاد في حرب أو أزمة أو بلوكاج؛ فهذا لا يمنع من أن تجمع ثروتك الخاصة!
ثالثا أبطال الفيلم الثلاثة: اللص الحقير توكو (القبيح) الذي يفر من صائدي الجوائز الذين يريدون رأسه، ونقابل إينجل آيز (الشرس) الذي يقتل عددًا من الناس في محاولة للعثور على خيط يقوده لشحنة مسروقة من الذهب.
ثم يظهر الطيب (بمقاييس الفيلم)؛ كلينت ايستوود، الغامض الذي يضع عباءة مكسيكية على كتفيه ولا يفارق السيجار أسنانه على طريقة “لاكي لوك”، وبالمناسبة لا نعرف اسمه أبدًا، وحتى في التترات اسمه “الرجل الذي لا اسم له”، لكن أبطال الفيلم يسمونه الأشقر (Blondey).
وبما أنه بارع في الرماية وسريع كالبرق، فإنه ينقذ اللص توكو من صائدي الجوائز ويحرره.. فقط كي يسلمه هو بنفسه للسلطات ويأخذ مبلغ الجائزة. وقبل إعدام توكو ينقذه ويفرّ معه.. هكذا يتوصل الرجلان إلى طريقة ممتازة لكسب الرزق.. في كل بلدة يقوم الأشقر بتسليم اللص للسلطات ويحصل على الجائزة، ثم يظهر لحظة إعدامه لينقذه ويفرّ به إلى بلدة أخرى!
رابعا في السينما يمكن الشرير ان يصبح بطلا والبطل ان يصبح شريرا،ويمكن للحيوانات ان تتكلم ولسوبرمان ان يحمل قطارا ولكينكونج ان تحبه الحسناء ،تلك أمور لا تحدث عادة ، ولكن في جهتنا من الوارد ان يتحول البطل الى شرير والشرير الى بطل ولكينكونج ان تحبه الحسناء
فخلال الثلاث سنوات الماضية، حصلت تحولات دراماتيكية وانتقالات بين المعسكرات تفوق في حجمها وعدد المنتقلين ما تشهده الانتقالات الشتوية لكل دوريات العالم بمناسبة”الميركاتو”.
خامسا الابطال الثلاث للفيلم يمارسون الفعل ذاته، العنف مثلا، ولكن وراء كل ممارسة نية ومقصد قد يكون طيبا هدفه الخير.
وقد يكون حبا للأمر في ذاته فيكون شرسا، أما إذا ساء القصد والنية فإن القبح يكون ماثلا بعينه، والأمر ينطبق على ما جرى في جهة واد نون حيث انقلبت فيها الأمور رأسا على عقب حتى وإن كانت “السياسة” هى ما يمارسه الجميع، فالرواية الطيبة تجعلك متفائلا وسعيدا للغاية،كما أن النهايات السعيدة هى المفضلة دائما!
سادسا الفيلم يؤرخ لحقبة زمنية معينة ولحالة نفسية معينة زمن البحث عن الكنوز وكذلك المجد الشخصي.
غادر القبيح سريعا، وانتفت كليا تحركاته، ثم قاوم الطيب طويلا، لكنه استسلم في نهاية المطاف وأودع حقائبه وحقائقه لمن يحفظ السر، أما ذلك الشرس، فقد راوغ “الموت” وعاد سليما معافى، عاد إلى الصورة، أراد تقليب دفاتر الماضي المجيد لكن في مكان جديد، حاول النبش في سجلات النجاحات القديمة، لكنه فشل مجددا فكان “موته” هذه المرة أكثر إيلاما، ليكتب بذلك نهاية فصل جديد من هذا الفيلم الذي لا يوّد أن ينتهي.
سابعا
كل تشابه بين احداث الفيلم وما يدور في جهة كلميم واد نون هو من سوء نية القارئ
.
