
قبل عشر سنين تقريبا ، أحدث أقليم سيدي إفني.. وكان الحلم حينها بسيطا جدا لدى ابناء المدينة: نريد اقليما ،نعم..لكننا نصبو الى مدينة.. مدينة حقيقية تتحرك فيها دماء التنمية…
و بعد عشر سنين ، اجد نفسي و كثيرين نقف على مأساة: مدينتنا “الموعودة” لم تأت.
يمكن لكل المشككين في هذا الكلام أن يحسبوا و يعدوا معنا ، و الحساب صابون ، عدد “المشاريع” التنموية التي حولت مسار المدينة من كل الفراغ الذي كانته قبل سنة 2010 إلى كل الفراغ الذي صارت عليه و هي على مشارف سنة 2020…
و لأني ابن المدينة ،فليعذرني الاخوة في مناطق الاقليم الأبية كلها عن هذا الفصل في مقالي .. فأنا من الذين يظنون إلى أبعد مدى أن لا إقليما حقيقيا ناهضا بلا مدينة هي مركزه المضيء..و إني لأطرح السؤال هنا:هل لنا في هذا الاقليم الممتد أن نفخر بمركز حضري مثل سيدي إفني اليوم؟!
لنكن على أتم الوضوح.. فمدينة ليس لها من “التمدن” إلا معايير بداية القرن العشرين من كهرباء و ماء (وزيدو لها الريزو) ليست مدينة!
المدينة أيها السادة هي كيان تجاوز هذه الحيثيات الصغيرة التي كانت تتوفر على أهمها قبل كل “مشاريع” الازدهار التي أتت..وقبل أرقام “الداتا شو” التي يتقنها البعض ليملأ فراغ الاجتماعات الباردة و يكسر صمت قاعاتها الرهيب..
المدينة التي نودها اليوم لا يمكن أن تكون إلا مشجعة على الأمل..وهو ما نرى عكسه منذ الفيضان على الأقل.. ومنذ الرماد الذي ذر على العيون قبل عشر سنين!
يمكن للمشككين في هذا القول أن يقارنوا ما صارت عليه مدن صارت مراكز إقليم في نفس السنة يوم احدث اقليم إفني ، وما أصبحت عليه من تغيير ايجابي على مستوى بنياتها التحتية و التنمية البشرية فيها… فقد صارت مدنا تنبت فيها ملاعب القرب و دور الشباب و الثقافة و مشاريع مدرة لدخل حقيقي دائم ومجمعات اقتصادية أعادت في كثير من الاحيان الدماء لشرايينها…
و في المقابل ماذا نجد في سيدي إفني بعد عشر سنين..؟!
شباب المدينة صار في أغلبه بدون أمل..وبلا اتجاه.. لا دور شباب أو ثقافة ،ولا ملاعب قرب أو بعد (ملعب بلدي ضاع ما ضخ فيه من امكانات و صار شاهدا على العجز المبين! ) ، و لا أنشطة اقتصادية يمكن أن تمتص عرق الجهد لصناعة الحياة؟!
المدينة صارت مثل استراحة سجن.. يخرج النهاريون كل ووقته لأخذ قسط من الشمس الباقية الشاهدة على الفراغ الذي يملأه الانترنيت ،أو المقاهي ، أو “البلية”!
و أما الليليون..فتلك حكايات هم و ضيم اخرى!
و سواء في الليل أو بالنهار ،يخرج الافناوي لا يعرف لـِـمَ هو خارج و لا إلى أين هو ذاهب و لا لأي شيء تصلح هذه المدينة دون الرحيل منها (والذي لن يحصل)…!
إن تمسك شباب المدينة و ناسها بالبقاء فيها رغم كل هذا الخواء الخاوي هو النزر المتبقي من تمسكهم بالأمل… فهل من يستوعب الرسالة؟!
كم هو مؤسف أن تؤمن بالأمل ، و أنت تدري أن لا شيء يفعل لأجله… فهؤلاء الذين يأتون ليذهبوا ، و يمرون مثل كلماتهم و أرقامهم العابرة ، لا يحملون همك..
كم هو محزن أن ترى “مدينتك” تسير بدون اتجاه ، وتحمل حلمك و أملك عقدا بعقد فيما يحمل البعض هم ربطة العنق و وقت الدخول و الخروج من العمل فقط … في انتظار المرور من هنا بلا أثر كما مر كل الذين مروا من هنا بلا أثر…
و الأثر بالأثر يذكر.
وكم مؤلم في ثقافتنا أن يصيح جليسك في وجهك واصفا الذي تتحدث عنه : هذاك ما ينذكر!
محمد المراكشي،
مع التحية.