
تعتبر الهجرة السرية أو ما يصطلح عليه بالحريگ من الظواهر التي لسيت بالحديثة لكنها عرفت تزايدا كبيرا خلال الآونة الأخيرة ، إلى أن أصبحت هذه الظاهرة متفشية في أوساط الجميع من شباب وفتيات وتطورت لتصل هذه الظاهرة بيوت العائلات، وهنا تكمن أهمية دراسة هذه الظاهرة الخطيرة والتي أصبحت اليوم تفرض نفسها كظاهرة اجتماعية وتتطور يوما بعد أخر، لتستهوي وتشغل فئة كبيرة من الشباب أصبح حلمهم الوحيد هو قطع البحار والوصول للضفة الأخرى، و”الحريگ” ظاهرة اجتماعية لها ضوابطها وقوانينها العرفية المتعارف عليها ، تنطلق من إرادة المهاجر نحو الهجرة والبحث عن سبل الهجرة وتوفير وسيلة الهجرة ناهيك عن المال الكافي للهجرة ووضع نصب أعينه حلم العبور، وأمام تطور هذه الظاهرة أصبح لزاما علينا دراسة هذه الظاهرة من مختلف الجوانب وبطريقة موضوعية. كوننا نلامس طموحات الشباب الذي أصبح حلمه الوحيد هو العبور الى أوروبا.
كلمة الحريگ لم تكن وليدة اليوم وهي متداولة عبر عقود من الزمن ، ولقد فرضت كلمة “الحريگ” نفسها مع توالي السنوات كمفهوم سوسيولوجي له ثقل ووزن في المشهد الثقافي واللغوي المتبادل، فالأصل الاشتقاقي لمفردة “الحريك” جاء ربما من الدارجة المغربية من فعل “حرك” أي من فعل “حرق ” في اللغة العربية .
ويتداول مفهوم “الحريك” في المغرب مثلا بشكل كبير ويوظف في مجالات متعددة كالقول مثلا : “حرك الوقت ماكاين غير حرگ” او ” حرگ اصطوب” أي لم يحترم الضوء الأحمر أو حرگ لأوروبا أي هاجر وانتقل بطريقة غير شرعية.
لكن غالبا ما تعني كلمة الحريگ في المغرب حركة الانتقال -فرديا كان أم جماعيا- من ضفة الى أخرى بحثا عن وضع أفضل اجتماعيا كان أم اقتصاديا أم سياسيا، كما تطور المفهوم وفق منطق التقلبات السياسية والمصالح الاقتصادية لهذه الجهة أو تلك.
فإذا كانت الهجرة في السابق تتم بصورة انسيابية تبعا لمصالح الدول، فإن اعتماد مبدأ ترسيم الحدود بين الدول وتنازع المصالح السياسية والاقتصادية زاد من حدة تطور الهجرة وتزايدها مع فارق مهم هو أن توالي درجة الهجرة في هذه الرقعة من العالم في العقود الأخيرة كانت تتم بصورة عمودية من الجنوب نحو الشمال.
وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير الشرعية أو غير النظامية ظاهرة عالمية غير مقتصرة على منطقة دون أخرى وموجودة في الدول المتقدمة أيضا كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أميركا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث تنطلق الهجرة من الجنوب نحو الشمال ومن المناطق الأكثر ضعفا اقتصاديا واجتماعيا للمناطق الأقل حروبا كالهجرة مثلا من دول جنوب الصحراء لشمال افريقيا بحثا فقط عن الإستقرار الإجتماعي.
لكن هذه الظاهرة اكتست أهمية كبرى في حوض البحر الأبيض المتوسط والبحر الأطلسي نظرا لاهتمام وسائل الإعلام بها، فأصبحت تشكل رهانا أساسيا في العلاقات بين الضفتين، خاصة وأنه في السنوات االسابقة كانت أوروبا بحاجة إلى الأيادي العاملة فلم تصدر أنذاك قوانين تجرم عملية الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها. وكانت الهجرة السرية قانونية في طبيعتها قبل سن قوانين فعلية لردع هذه الظاهرة، لكن مع أوائل السبعينيات شعرت دول الاتحاد الأوروبي نسبيا بالاكتفاء من الأيادي العاملة فتبنت إجراءات قانونية تهدف إلى الحد من الهجرة الغير
الشرعية، وتوقيع اتفاقيات مع دول الجوار للحد منها ومن تدفق المهاجرين القادمين من دول أخرى،
وقد ازدادت هذه الإجراءات سنة 1985 مع بداية تطبيق اتفاقية “شنغن” التي دخلت حيز التطبيق تسمح بموجبها لحامل تأشيرة أي دولة من دول الاتحاد الموقعة على هذه الاتفاقية بالمرور في أراضي بقية الدول الأخرى، ثم عادت وازدادات إجراءات الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية مرة أخرى بعد عام 1990 وهو العام الذي شهد توسيع الاتحاد الأوروبي.
وكان لهذه الإجراءات القانونية المشدده دور هاما في تطور الهجرة السرية كظاهرة ميدانية ومفهوم أصبح يتوسع يوما بعد أخر، كما ان لهذه الإتفاقيات بين الدول آثار عكسية حيث استفحلت ظاهرة الهجرة غير الشرعية وأصبحت تلك الدول قبلة لمرشحي الهجرة غير الشرعية من مختلف بقاع العالم وعلى سبيل الحصر الهجرة من المكسيك وجنوب أمريكا ودول آسيا (الصين، باكستان..إلخ) ودول أفريقيا حيث قدر عدد الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين بحوالي 40 دولة في العالم.
إن دراسة تطور الهجرة الغير النظامية في المغرب رهين بدراسة أسباب تطور الظاهرة ودواعي تفشيها خاصة وأن الهجرة وكما سلفنا الذكر تتركز وفق خط عمودي يمتد من الجنوب نحو الشمال، ومن أسباب تطور الهجرة السرية تفاقم الأوضاع الإجتماعية وانخفاض الدخل الفردي للفرد وارتفاع البطالة خصوصاً لفئة الشباب، ولأسباب متعددة أخرى كسوء التسيير المحلي وضعف الحكامة في الدول المصدرة للهجرة، والتأثيرات السلبية للعولمة والحروب التي تتواجد ببعض الدول، بالإضافة إلى الدور الجغرافي القريب نسبيا بين هذه الدولً.
خلال هذه السنة زادت حدة الهجرة السرية في المغرب وتفاقمت في صفوف مختلف الشرائح بعد هجرة أطفال صغار مع عائلاتهم في قوارب الموت هربا من الأوضاع الإقتصادية المزرية التي أصبح يعيشها المغرب مع تطور وسائل الهجرة أيضا في وقت لا تبالي فيه الدولة بخطورة الوضع مستقبلا، اذ تشير بعض المصادر الني نشرتها قناة الجزيرة أن عدد المهاجرين من المغرب الى إسبانيا 10104مهاجرا بينهم فتيات وأغلبهم شباب ربعهم قاصرين في الفترة ما بين 2016 و15 تموز/ يوليو 2018. مما يطرح أكثر من سؤال حول الإجراءات والبدائل الإقتصادية والإجتماعية للمغرب للحد من تزايد الإقبال على ركوب قوارب الموت وتوجيه الشباب وتكوينهم لولوج سوق الشغل، ومنح المعطلين فرص شغل وإنشاء مشاريع ضخمة قادرة على امتصاص البطالة ودمج الشباب في صلب المشاريع والإستثمارات ضمانا للإستقرار الإجتماعي والإقتصادي وتفعيل مبدأ المحاسبة والمراقبة.
ويرتقب أن يرتفع الجدل بالمغرب بسبب هذه العودة المكثفة للهجرة غير الشرعية، مع الصمت المطبق للدولة تجاه هذه الظاهرة.