
بعد شهرين و نيف من اليوم تقريبا ، ستحل الاحتفالية السنوية لعودة مدينة سيدي إفني الى المغرب قبل خمسين عاما.. و حين نقول خمسين عاما فإن الذاكرة الجمعية في المدينة ستطرح السؤال عن هذا النصف من قرن مضى بعد نهاية الاحتلال الاسباني…
لست من ممجدي الماضي الاستعماري و إن كنت اسجل على لسان الرواة الثِّقاتِ أن الحال في كثير من مناحي الحياة قد يظهر أحسن مما آلت إليه بعد الخمسين..كما أني لست من مطبلي أن هذا العمر من تاريخ المدينة الصغيرة التي لا تكبر (أولا يراد لها أن تكبر) مليء بالمسرات و النماء و الازدهار و الرخاء..!
نعم، في سيدي إفني تضيع الحقيقة.. تضيع بين النوستالجيا المغرقة في الألم على واقع ودعناه قبل خمسين عاما ، و السكيزوفرينيا المغرقة في وصف واقع أشبه بلمس رأس الأقرع!
يحق لنا في سيدي إفني أن نتساءل و نسائل كل من مروا من هذا البلد عن الذي تحقق..وعن التغيير الذي طرأ و الذي لا نلمس في مُحَيّا المدينة ما يدل عليه.. كما يحق لنا أن نحتفي بأمل بخمسين عاما ضاع منها الكثير في دسائس سنوات الجمر و غبار حلمنا في بداية الألفية بمدينة جديدة و إقليم أحسن من النسخة الرديئة التي نحياها…
و لنحسب.. و الحساب صابون.
لن نجد غير الأرقام التي تملأ الندوات و الفرقعات الاعلامية ، لامكان فيها للسياحة أو الثقافة أو الرياضة..و التي لا يهتم لها احد مادام الواقع لا يظهرها..
كم ضاع من الأوراق و الحبر و سنوات ضوء من “الداتا شو” بلافائدة..و بلا ملعب أو سينما أو خطة سياحية.؟!
مدينة هي مركز إقليم (واقف) حالها الاقتصادي لن تجد فيها مكانا للتوسع أو التبضع أو خدمات مثل باقي الخلق و الناس…
مدينة بدأت بسيارة شرطة واحدة (قاضية الغرض) و شرطي مرور يحيي الجميع و انتهت إلى حال جعلها بلا سبب مقنع -على صغرها- اشبه بثكنة.!…
مدينة معجزات عمرانية يسمونها “رومبوانات” معوجة و قنطرة (من الخيال العلمي)جعلت البلد -كل البلد- هزءا أمام كاميرات العالم المختلفة…
مدينة مر بها الفيضان منذ خمس سنين ،ولازالت آثاره بادية يمر عليها كل يوم المواطنون و المسؤولون و الزوار…
و يكفي ما ظهر…
لا أريد أن احسب…يكفي أننا في بلد الفرص الضائعة قد ضيعنا بسيدي إفني فرصتين..أولاها قبل خمسين عاما حين تركنا المدينة و حالها الذي تغير مسلمين إياها للقضاء و القدر و سير عالله.. و ثانيها قبل عشر سنين تقريبا حين شهدنا تحولها إلى إقليم بلاطعم أو رائحة..
اللي بغا يحسب يحسب.. لست من الحاسبين بعد الآن.
نترك الحساب لمن تعودوا الحساب وحدهم ، واعتادوا أن”يشيط لهم”…
محمد المراكشي،
مع التحية.