
صرح فؤاد عالي الهمة في تجمع خطابي أمام فندق”نكجير” بالعيون سنة 2009 أنه سينتزع آل الرشيد من تسيير مدينة العيون كما تنتزع” الأضراس بالملقاط” .بعد عشر سنوات ،بالتمام والكمال، ظهر حمدي ولد الرشيد،يوم السبت الماضي، منتشيا بالمهرجان الخطابي الأكبر في الأقاليم الجنوبية ، قائلا” إن 57 ألف حضروا مهرجان العيون ولي بغا يقول شيء يمشي للساحة”.كم تبدو الأشياء غريبة عندما تتحول الى تاريخ ..
رمال الصحراء المتحركة
لم يكن السائق و الميكانيكي (حمدي ) وهو شاب صغير عندما ينهي عمله في إحدى الشركات الاسبانية بالعيون (كوبيرتا للفوسفاط) إبان الستينيات ومستهل السبعينيات يحلم ان يخرج خمسين الف من سكان المدينة ليستمعوا لخطاباته ويصفقوا لكلماته .ولكنه القدر،فعندما رجعت الشاحنات الحمراء ذات المحركات العتيدة ،التي أقلت الناس في المسيرة الخضراء عام 1975، تم تعيين الميكانيكي حمدي ولد الرشيد رجل سلطة برتبة قائد بعمالة إقليم العيون. الفضل في هذا “التعيين” يرجع لاخيه خليهن ولد الرشيد، المهندس الذي ولد بنواحي كلميم والذي كان رئيسا لحزب “البونص” وتنعته الصحف الدولية” رجل الحسن الثاني في الصحراء” .بينما تنعته المخابرات الإسبانية ب “الغواصة الصفراء” لانه يتقن فن الاختفاء . عندما قرر هذا الاخيرعدم الترشح للبرلمان،انتهز الفرصة شقيقه رجل السلطة (حمدي )وقدم استقالته من وزارة الداخلية ليدخل غمار السياسة عبر حصوله على تزكية حزب الاستقلال في تشريعيات 2002 ،و استطاع بشق الانفس، أن يضمن مقعدا بالبرلمان حين حل في المرتبة الثانية خلف الاتحادي حسن الدرهم الذي اكتسح دائرة العيون بقميص الأحرار .
لا سقف إلا السماء
هكذا بدأت مسيرة رجل السلطة حمدي ولد الرشيد الذي اصبح برلمانيا و بعدها نائبا اولا لاخيه رئيس المجلس البلدي لمدينة العيون .ثم انقض في وقت وجيز ،على تسيير معظم مجالس الجماعات المحلية و الغرف المهنية بل حتى الهيئات التعاضدية للموظفين بجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء عبر مسار من الصراعات المعلنة والخفية. وبحسه الصحراوي وعمله في الميكانيكا أدرك حمدي ولد الرشيد أن أقسى أنواع الركض هو أن تعدو لكي تبقى مكانك. فعندما تخسر ما أنت فيه تكون قد تخلّفت إلى الوراء. والوراء لا حدود له.لذلك فهو دائما ما ينتهز الفرص ليبرز قوته ويًظهر للجميع انه “رجل دولة” يخدمها ولا يطأطئ رأسه لبعض رجالاتها .فقد قال ذات يوم لاحد المواقع الالكترونية(أنا ما عندي غير مولانا وملكنا والشي لاخر ماعندي فيه وما يفرض علي حاجة)
لذلك فدائما مايؤاخذه خصومه السياسيين على هاجس الهيمنة و الاحتكارية التي تطبع كل القرارات و المبادرات التي ينخرط فيها.فهو لا يتوانى في القيام بخطوات تثير انتقادات الجميع كحلوله محل مدير العمران و توزيع آلاف البقع المجانية على المقربين منه و أتباعه و كذلك رؤساء المصالح الخارجية الذين يعتبرهم مجرد موظفين تابعين له، حتى ان هناك من المناديب و المدراء الجهويين من يخشى غضبة حمدي أكثر مما يكترث لتوبيخ الوزير الذي ينوب عنه في الاقليم .
«سيرو تنبگو»
حمدي ولد الرشيد من أشد المتطرفين في الدفاع عن مغربية الصحراء .لما قام مسؤولوا بعثة المينورسو بإزالة علم المغرب من فوق مقر البعثة و الاكتفاء بعلم الأمم المتحدة ، قام حمدي بتعبئة موظفي البلدية الذين ثبتوا ما يزيد عن مائة علم في جميع الأماكن و الممرات المحيطة بمقر البعثة حتى بات لون العلم المغربي يطغى على المشهد العام بمقر البعثة بحي المسيرة بالعيون ،ورفض أي نقاش مع مسؤوليها الذين طالبوه بإزالتها بمبرر أن ما يقع خارج بناية البعثة يتبع للمجلس البلدي و أنه هو رئيس المجلس وبالتالي هو من له الحق في أن يفعل ما يراه مناسبا .وذات مرة قال للمبعوث الاممي كريستوفر روس أنه هو من يحق له تمثيل الصحراويين وليست أمينتو حيدر” لأنني أنتمي لأرض النزاع و أحظى بالشرعية القبلية كشيخ للركيبات التهالات و الشرعية الانتخابية كنائب برلماني و عمدة المدينة” .
رسائل ساحة المشور
بدا واضحا في مهرجان ساحة المشور، أن حمدي ولد الرشيد يستعرض قوته السياسية والتنظيمية،وان هذا المهرجان لا يخلو من رسائل سياسية .رسائل داخلية للحزب اولا لان حمدي استشعر محاولات استبعاده ورسم الحدود له من قبل نزار بركة الذي يقوم بعملتي تقزيم وتجاهل ممنهجتين اتجاه ما يعرف داخل الحزب بالتيار الصحراوي، يبرر هذا عدم استدعاء أي عضو من التيار للمشاركة في اللقاءات الحزبية الأخيرة التي قام بها بركة لمجموعة من الأقاليم كان آخرها لقاء مدينة العرائش والقصر الكبير.فهو يريد ان يذكر نزار ان جهات الصحراء هي صمام امان الحزب ومصدر قوته .
رسائل سياسية لحزب التجمع الوطني للأحرار، في شخص رئيسه عزيز أخنوش، رداً على اللقاء الحزبي الذي كان قد ترأسه نهاية شهر مارس المنصرم بمدينة الداخلة، “اليوم نؤكد للحاسدين والمشوشين والمخرمزين أن الداخلة إستقلالية وستظل كذلك دائما. واليوم يوم تحدي يؤكد نجاح منتخبي الحزب في إدارة المجالس المنتخبة بجهة الداخلة وادي الذهب”، قبل يضيف: “هادشي كامل و2021 مزال مالحكاتش.. وغايشوفو لعجب.. أنا مغاديش نقولكم أغراس أغراس.. غانقولكم لي حَكْ بعد حَكْ بعد حَكْ بعد”، بمعنى “غانقولكم لي كاينة كاينة لي مكايناش مكايناش”.
رسائل للمنتظم الدولي لان اختيار تنظيم مهرجان حزبي في بداية شهر أبريل في مدينة العيون أصبح يشكل هاجسا وأجندة ثابتة في نزاع الصحراء. فالمفاوضات لا تربح بالحسابات المنطقية ما بين المتفاوضين، وإنما بمنهجية وأسلوب التفاوض التي تدخل فيه مثل هذه المهرجانات التعبوية، والتي تضمن حشد أصوات موحدة وتلفت انتباه الرأي العام الدولي والمعنيين.
ويبقى السؤال مفتوحا:
هل الحضور الجماهيري للاستقلال بالعيون، يشكل قوة فعلية لمنخرطين حقيقيين؟ أم إنه حضور لزبناء يرغم عليهم الحضور بوسائل متعددة؟