
محمد المراكشي – لِنون بوست
كناوة و الاسطورة
قد تكون من جيله ، و تعرفه اشد المعرفة..ستحتفظ له بالأكيد بذكرى عايشتها أو تمنيت أن تكون بطل حكايتها.. لكن ستذكر بالضرورة أنه كان دوما ،في زمن مضى، بطلا لكل الحكايات الشبابية الرومنسية التي تجمع عنفوان الشباب و تمرده وصلابة التعامل مع الآخر…
يكاد يجزم الحكواتيون المعاصرون في سيدي إفني على جامع كناوة اسطورة زمن “جميل”..أو على الأقل صانع أساطير صغيرة ارتبطت بالحي و حب المدينة و الكرة.. بل إن بعضهم يذهب أبعد و هو يعتقد فيما يشبه “اليقين” أن تسمية الجبل الماثل على صدر المدينة اخذ تسميته من اسمه أو أنه هو من اخذ عنوان شموخه و “وقفته” من هذا الــ”بوعلام”..
كيفما كان الحال ، فالسيد جامع كناوة شكل لزمن طويل عنوانا للأحاديث الطويلة في الدروب الصغيرة و تحت الأضواء الخافتة لزقاقات سيدي افني الصغيرة الجميلة … حكايات لبطولات امتزج فيها الواقعي بالخيالي..و زيادات الرواة و توابل حكاياتهم..وكذب الغيارى ايضا…
في سيدي إفني ،وحتى و إن لم تكن من جيل الرجل ،إلا أنك ستجد حكاياته و بطولاته الشبابية قريبة منك ،وكأنك عشت إلى جانبه… و إن كنت من جيله ،فإنك ستجد لك مكانا في الدائرة البعيدة حتما ..أو في دائرة “المعجبين” بالرجل و بقوة الرجل ،أو في أبعد الأحوال في دائرة المتمنين أن يكونوا جامع كناوة أو أشباه جامع كناوة… في ذاك الزمن.
عشق كرة القدم
لا يمكن الحديث عن “الزمن الافناوي الجميل” دون تذكر الكرة و عوالمها الساحرة. و قد كان لجامع كناوة مكان ليس هينا في هذه العوالم..
أجيال نهاية الستينيات و عقد السبعينيات يكاد لا يذكر أكثر من اسمين في عالم حراسة المرمى بسيدي إفني،جامع كناوة و سماراسو. وكلاهما أسطورتان افناويتان في هذا المجال.
و لأن هذا السحر لازمه طوال حياته المليئة بأفراح الانتصارات و أعصاب الخسارات ،فغنه ظل محتفظا بأرشيفه الخاص الذي لا يريد ان يفرط فيه ،أو حتى يمكن احدا منه مثل سر حربي.. هو وحده من يملك حقوق “نشره” التي اختار لها توقيتا خاصا به و نظم معرضه الخاص بعيدا عن كل محتضن جمعوي…
لقد كان كافيا أن تحتضنه حديقة “البلاسا” و يحتضن هو كل المارين و الواقفين امام تاريخ كرة القدم كما يرويه..تاريخه الكروي الذي يذكرنا أنه يجب ان يروى..
عشق الكرة في دماء جامع استمرت في عشق ريال مدريد أيضا ، وهو حب قديم فيه كثير من التعلق بالفريق الملكي على طريقة تاوية..مثل كاهن لا يمكنه ان يبرح معبده ..فان مقعده الدائم في حضرة مقهى “الطريف” بمثابة جزء من الفرجة و التحليل و مشاهد الفرحة و الغضب أحيانا…
هي كرة القدم التي لازمت جامع كناوة..و لازالت تسكنه.
الدماء الساخنة..الدماء الحلوة
أكيد أن آخرين في هذا البلد يذكرون للرجل ذكريات كثيرة لزمن “الفتونة” الافناوية..و للدماء الساخنة التي تابى أن تتجمد في الشتاء..لتسخن في الصيف..فجامع كان نفسه ، ولم يكن متلونا ، و حسبه انه عاش حياته بالطريقة التي رآها و أحبها و عبر فيها عن ذاته و عشقه لمدينة تكبر ببطء و تتحرك ببطء و تتغير ببطء..و حتى حين يحتاجها أبناؤها و احبتها فإنها تستجيب ببطء…
دماء جامع التي كانت ساخنة ، كانت “حلوة” كذلك..فكما كان نصيبه حلاوة الحياة (على قلتها) ،كان له نصيب من الحلاوة القاتلة:السكري… وما تبعه إلى الحال التي وصل إليها.
في زمن مقاومة “الموت”
إن الزمن الافناوي الذي نعيشه الآن ، بلا شك ، زمن مقاومة الموت.. الموت في المجاز ، موت مدينة و موت الذكريات أمام أنانيتنا..و الموت الحقيقي الذي نقاومه بحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا…
و لأن جامع كناوة منا و نحن منه ، فإنه الآن يقاوم..على طريقته البسيطة في مواجهة ضيق الحال و قلة الحيلة أمام مرض يحتاج من أصدقائه و مجايليه و بنات و ابناء إفني أن يواجهوه معه…
إنه ينتظركم في محراب مرضه ، و ينتظر التفاتتكم مهما كانت ببسمة أو بكلمة أو بما تملكون و قادرين على تقديمه…
مشكورة بعض الالتفاتات المادية ،لكنها ظلت معزولة و أقل من إفني و أصغر من جامع كناوة..لذلك ،اختار الاصدقاء أن يتم تقديم المساعدات المادية خصوصا في مكتبة الفضيلة وفي الصيدلية الشعبية…
ارحموا جزءا من تاريخكم.. التفتوا الى كناوة…
مع التحية.