
بقلم: رشيد رز ق الله
غير بعيد عن مدينة كلميم، عاصمة جهة كلميم وادنون، تقع قرية صغيرة تختزن كنزاً طبيعياً وروحياً فريداً لا يعرفه الكثيرون، اسمها “أباينو ، نسبةً إلى العين الحرارية الطبيعية التي تنبع من قلب الأرض، حاملةً معها دفئاً معدنياً ومنافع صحية لا تُقدّر بثمن.
عين “أباينو” ليست مجرد نبع ماء حار، بل هي ثروة طبيعية استشفائية ظلت لعقود مطمورة في صمت التهميش والنسيان، رغم أن مكوناتها الكيميائية وتجربتها المحلية تثبت فعاليتها في علاج أمراض المفاصل، الروماتيزم، الجلد، وأمراض الدورة الدموية.
لكن “أباينو” ليست فقط وجهة صحية، بل أيضاً منارة علمية وروحية عريقة بفضل زاوية “سيدي سليمان”، التي كانت لعقود مركز إشعاع ديني وفكري، ومجالاً حيوياً لإنتاج التحليلات الدينية والعلمية، حيث كانت محجّا للعلماء والفقهاء والباحثين، وملتقى للتقاط المعارف وحصاد
هذه العين كانت وما تزال وجهة للزوار من مختلف المناطق، يقصدونها طلباً للعلاج الطبيعي، أو “الاستراحة الروحية”، وسط مناخ قروي هادئ وأرض بكر، تحمل عبق التاريخ وهدير المياه الحارة.
لكن هذه المؤهلات لم تُترجم بعد إلى مشروع تنموي متكامل. فغياب البنية التحتية، وضعف الترويج الإعلامي، وغياب رؤية استثمارية جهوية، يجعل من هذه العين مجرد “فرصة معطلة” في جهة تبحث عن قاطرات جديدة للتنمية السياحية والاقتصادية.
وفي ظل الدينامية الجديدة التي تعرفها السياحة القروية والبديلة في المغرب، تبدو “أباينو الماء الساخن” مرشحة بقوة لأن تتحول إلى قطب استشفائي وسياحي وروحي طبيعي، يُعزز العرض السياحي في جهة كلميم وادنون، ويرتبط بخلق فرص شغل، وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
لكن ما يُثير الاستغراب اليوم هو توقف المشروع الاستثماري الذي أُنجزت بشأنه الدراسات التقنية والبيئية بشكل متكامل، وتوفّر له الوعاء العقاري اللازم، دون أن يقتضي ذلك كلفة مالية باهظة أو إكراهات تعجيزية.
هذا الواقع يدفعنا إلى طرح أسئلة مشروعة حول دواعي هذا التوقف الغامض: من المسؤول عن تجميد المبادرة؟ ولماذا لم تتم مواكبة الفكرة إلى مرحلة الإنجاز، رغم توفر كل الشروط؟
أليس من حق ساكنة أباينو والمنطقة ككل أن تستفيد من ثرواتها الطبيعية والروحية؟ ألا يستحق هذا المورد الطبيعي أن يتحول إلى رافعة تنموية حقيقية بدل أن يبقى طيّ الإهمال؟
وإذا كان الأمل ما يزال قائماً، فإن ما يحق لنا اليوم أن نتساءل عنه بمرارة، هو مصير المرافعات والمراسلات العديدة التي قُدّمت أمام مختلف الجهات المركزية والجهوية، دفاعاً عن هذا المشروع وعن حق الساكنة في استثمار مواردها الطبيعية.
فأين هي توازنات الاستثمار بين الجهات؟ أين هي العدالة المجالية التي ينص عليها الدستور؟ وأين هو مبدأ تكافؤ الفرص الذي يُفترض أن يُفتح من خلاله المجال أمام مشاريع تنموية حقيقية في مناطق ظلت لعقود خارج الاهتمام؟
أليس من حق “أباينو” أن تستفيد من إشعاعها الطبيعي والروحي؟
أليست هذه اللحظة مناسبة لإعادة النظر في أولويات التنمية الجهوية، والخروج من خطاب النوايا إلى واقع الإنجاز؟
فـ”أباينو الماء الساخن” ليست مجرد عين… إنها مفتاح تنمية محلية متوازنة، تجمع بين الصحة، السياحة، الروح، والكرامة.