
الفن كتجسيد للإ نسان الابراهيمي..
قراءة في التجربة الفنية لمحمد الموريد .
عبد الكريم الموريد
في تزنيت، تلك المدينة المتكئة بأريحية على ضفاف الأطلسي، كقطة هادئة ووديعة، هناك كان مسقط القلب والروح لمحمد الموريد، هناك عبق التاريخ وكثل الرياح المنسابة من البحر جعلت روحا مريدة تتمرد على مشيخة الفن التشكيلي، إذ غادرت الصباغة والألوان القماش المشدود داخل اللوحة -الإطار، لتجد لها مقاما في تضاريس الجلد (جلد المواشي ) القابع في عمق الدائرة حيث اللاتناهي أو وسط المثلث المسقط لضلع المربع- الطابو ،وأيضا في اللْإطار حيث الإطلاقية في الزمان والمكان.
التشكيل الفني في لوحات محمد الموريد هو تشكيل بالقوة والفعل ،حيث يتم إنضاجه عبر مراحل، بدء بمعالجة الجلد (كمادة خام) وتهذيبه وتشذيبه من الزوائد ، ثم بعد ذلك إسقاط فيض قياسي من المشاعر وعوالم يراها صاحبها ممكنة أحيانا وأخرى غير ممكنة في أحايين كثيرة، ليصير العمل الفني كإنتاج للجمال ،ليس بالضرورة محاكاة وتقليد لتفاصيل الواقع، بل هو بالمعنى الكانطي ( E.KANT) ’’ تصوير جميل لشيء وليس تصوير لشيء جميل’’. هكذا يحمل الجلد الحركة والمعنى والإيقاع ،وحالات الحنين للأماكن والأحداث والرغبة الجارفة في الإنعتاق من معيقات التصالح مع الجسد كعقل كبير يدفعنا للإقبال على الحياة ،حسب وصف “لفريدريك نيتشه”،وغير ذلك من فوضى المشاعر المعتقة.
يحق لنا أن نسائل هذه التجربة الفنية ،في لماذا اختار صاحبها التوقف فوق الجلد وليس على قطع القماش كما هو متداول عند الكثيرين؟. الشيء الثابت أن للجلد علاقة بالأضاحي والقرابين ،وقد كان ابراهيم الخليل قاب قوسين أو أدنى من أن يضحي بابنه اسماعيل، لولا أن فداه الله بكبش عظيم. طقس الأضحى هذا ،وبعيدا عن النظام الأنثربولوجي- السياسي للأشياء كما هو مرسخ ، وكما يفهمنا منير الحجوجي فهو تحويل للعنف من الابن /الانسان نحو وجهة أخرى ( الحيوان)، لقد كان الامر إلاهيا حتى ترتقي البشرية الى مستوى الإنسانية، وهذه أيضا غاية الفن كإنتاج للجمال والحب والسلام ، وهذا التحويل الإستراتيجي هو محاولة لكسر دوائر الحرب المشتعلة هنا وهناك (الدائرة الإطار عوض المربع الإطار أحيانا).
باختيار محمد الموريد لجلد الأضاحي كأرضية للاشتغال ،يعيد امكانية تثوير سؤال المعنى في ذواتنا وتاريخنا سواء بطريقة تجريدية أو بسيطة، معنى مقاومة القبح الأخلاقي والسياسي اللاُمحدود(معرض سراييفو)، معنى حفظ الذاكرة الثقافية ( معرض تكريم ادموند عمران المالح)، معنى استرجاع التفاصيل التي كانت عنصرا فارقا بين الحلم والكابوس. جلد الاضاحي هو باختصار استحضار لماهية الانسان الابراهيمي قصد الحسم في اختياراتنا بغية الارتقاء.
مقال جميل جمال صاحبه،
كعادته دوما أستاذنا البهي سيدي عبد الكربم الموريد يبهرنا بكلامه الراقي ويجعلنا نسافر في أعماق الكلمات مستمتعين بالقراءة وكأننا نشاهد مسلسلا دراميا مشوقا بصريح العبارة إذا كان الوصول إلى قلب التلميذ أفضل من الوصول إلى عقله كما يقول سقراط ماذا تريدني أن أعلمه إنه لايحبني فأنت أيها البهي قد وصلت إلى قلب القارىء وجعلتني أن أنحني لك احتراما وتقديرا عن مستواك الفكري ورقي أخلاقك وكلماتك الفلسفية الدسمة واستشهاداتك بكبار الفلاسفة. لم أجد ما أقوله لك سوى أنني أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذلك اشتقت لك كما يشتاق الورد لعطره ودامت لشخصيتك وحشة كبيرة. وفي الختام أوجه عميق الشكر للموريد سي محمد عن لوحاته الانسانية الناطقة التي خاطبتنا من ما وراء الشعور