
اقتنى المجلس الإقليمي مجموعة من سيارات النقل المدرسي سيستفيد منها مئات من تلاميذ العالم القروي ، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح مادامت تستحضر معاناة أطفال أبرياء هم أجيال المستقبل. وجبت مساعدتهم على نيل نصيبهم من التعلم والتكوين .وقاية لهم مما سيلحقهم جراء انقطاعهم عنها، و وقاية لهم من مخاطر الطريق ، وتخفيفا لمعاناة ذويهم مع مصاريف تنقلاتهم اليومية مع النقل السري
لكن هذه الخطوة المحمودة يجب أن تتلوها خطوات في هذا الاتجاه كتلك التي ستشجع على البحث والقراءة والثقيف ، إنها إنشاء مكتبات متعددة الوسائط ، مكتبة كل سنة ، كافية لمساعدة طلبة على توفير مراجع لبحوثهم الدراسية ولتثقيف كل راغب أعوزته الإمكانيات.
وفوق هذا وذاك هي كافية لتقليص دائرة الجهل المركب بشتى تجلياته لكل راغب عنه.
هي كافية لخلق قراء من أناس ملُّوا الجلوس في المقاهي عساها أن تفعل فعلتها في تطويرهم ذهنيا فتحررهم من سجون الخرافة ومن سجون التقصي والبحث في أمور فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع .
يبذل مدرسو اللغات وغيرهم جهدا كبيرا في تحبيب القراءة لتلامذتهم ،لكن جهدهم يصطدم بواقع غياب أو لنقل تغييب فضاءات القراءة بالمؤسسات التعليمية وفي محيطها
أليس عيبا أن تكون مكتبة بأحد أحياء مدينتنا قاعة من قاعات المقاطعة . ولست أدري إن كان مفروضا على كل راغب في القراءة أن يأخذ إذنا بذلك من القائد مشفوعا بعنوان الكتاب المرغوب قارئته
المكتبة العمومية الوحيدة في افني يمكن أن نسميها بأي مسمى إلا اسم مكتبة فالداخل إليها لا يعاود الرجوع إليها بسبب رطوبة المكان ،وفقرها الشديد في كثير من الحقول المعرفية.
فقد ظلت سنين عددا على حالتها وحُلَّتها دونما تطوير .ولا أظن أنها ستناله اليوم لأن عشاق الإسمنت لا يعشقون أبدا القراءة كمنتوج إنساني عالمي لا حدود له
أتمنى -يوما ما- أن يسمع الناس أن أحد المستشارين بمجلس ما من المجالس الكثيرة قد أدرج مطلب إحداث مكتبات عموميات ورافع من أجله .
أتمنى أن نساهم في تكوين مجتمع قارئ، مُلقح بفعل القراءة من كل تظليل وتجهيل.
أتمنى أن يكون لنا يوما قراء وكتابا صغارا سنا كبارا في ما سيكتبون من أمثال أمير فهري الطفل التونسي الأسطوة في القراءة والكتابة والنجاح الدراسي، الذي استطاع بعصاميته تأليف أكثر من سبعة كتب وإتقان سبع لغات وهو لم يتجاوز أربع عشرة سنة ، والذي احتضنه الغرب بعد مأساة الإهمال في بلده.
” إن نقطة التحول في حياتي كانت يوم أغلقت أمي التلفاز، وأجبرتني على القراءة .” هكذا تكلم بن كارسون أشهر جراحي دماغ الأطفال في العالم .
يحق لنا أن نتساءل كم من نقاط التحول أجهضت وكم منها تجهض اليوم ،وكم سيجهض غدا عند أجيالنا الصاعدة بتغييب فضاءات القراءة بهذا الإقليم الفاقد لبوصلة التنمية المتوازنة
ويحق لنا أن نعتز بأعداد من شبابنا التي ستنجو من اليأس والانتحار إن أعِدَّدتْ لهم تلك الفضاءات .
ويبقى هذا الأمر مسؤولية المجتمع المدني الراغب في إحداث تغييرملموس بالمنطقة.