بقلم عزيز أمهوط : باحث في السياسات الصحية
وأنا أتابع برنامج (رهانات حزبية) الذي يبث على القنوات التلفزية الوطنية ، كنافذة يطل من خلالها الأمناء العامون للأحزاب السياسية المغربية على المواطن المغربي، لتقديم البنود العريضة لبرامجها الانتخابية ، راودني تساؤل محير حول ما وراء التمرين الديموقراطي بالمغرب ، وانعكاساته على القطاع الصحي .
فمما لاشك فيه بأن كوفيد 19 الذي غزا العالم ككل شكل اختبارا حقيقيا للمنظومات الصحية ككل ، و فرض الأمر الواقع من خلال مواجهة جائحة( pandémie ) ، لا تنضبط كمثيلاتها من الأمراض لمعادلة 1+1=2.
وطنيا ، و تماشيا مع السياق الحالي الموسوم بالانتخابات التشريعية ليوم 08 شتنبر ، وجب أن أشير إلى ملاحظات/ مرتكزات ذات أهمية في التعاطي مع القطاع الصحي / المنظومة الصحية بالمغرب، وذلك من منطلقين محوريين :
*منطلق ذاتي: بحكم انتمائي للقطاع الصحي كممارس، كباحث وكفاعل نقابي .
*منطلق موضوعي : الاختبار الصعب للقطاع في مواجهة الأوبئة -كوفيد 19 أنموذجا-
،
من خلال ذلك أجد لزاما ضرورة تغيير الصورة النمطية (stéréotype )للحكومات المتعاقبة اتجاه الصحة عبر اعتبار القطاع قطاعا حيويا( secteur vital) ذا أولوية قصوى ، عوض اعتباره قطاعا اجتماعيا ، غير منتج ، وهو نفس ما تعاني منه قطاعات حيوية أخرى كالتعليم ،
وذلك يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية؛ وبما أن المناسبة شرط ، فلزام على كل الأحزاب السياسية أن تضع صوب أعينها وضع برامج حقيقية هدفها تطوير القطاع من خلال أربعة مرتكزات :
- الموارد البشرية :
على اعتبارها دينامو أي برنامج و الضامن لنجاح أية منظومة - حل مشكل النقص الحاد في الموارد البشرية باختلاف تخصصاتها و مواقع عملها( كوفيد سبب انهيارا جسديا ونفسيا رهيبة لها- من خلال إدماج كافة المعطلين
- تحفيز الأطر الصحية بما يرقى لمستوى الخدمات الجليلة التي تقدمها
- إخراج مصنف الكفاءات والمهن REC الى أرض الوجود،
- سد الفراغ القانوني لدى العديد من الفئات حماية لكافة المزاولين…..)….
- الموارد المالية : وذلك عبر:
*الرفع من الميزانية المخصصة للقطاع الصحي تماشيا مع توصيات المنظمة العالمية للصحة OMS – على الأقل 10% – *مساهمة المجالس المنتخبة من خلال دعم كافة المبادرات التي تروم خدمة القطاع وذلك من الاختصاصات المخولة لها قانونيا….، - البنيات التحتية :من خلال:
- بناء مراكز استشفائية إقليمية /جهوية تستجيب للمعايير الوطنية
*خلق مؤسسات صحية أخرى ضمانا لمبدإ المساواة في الولوجية /بعيدا عن التفاوتات المجالية ( محور الرباط،القنيطرة، الدار البيضاء…) …. - اللوجيستيك :من خلال:
- توفير كافة المستلزمات البيوطبية بالمؤسسات الصحية ، ضمانا لجودة الخدمات كواقع، لا كشعار.(ماشي ندير استشارة بسيدي افني، وسكانير فأكادير مثلا …). ولحدود الساعة، وبكل تجرد وموضوعية، اطلعت على برنامج حزبي واحد )(لحزب لتجمع الوطني للأحرار) ذي صلة بالقطاع ، تضمن تصورات / مقترحات قبلية بالأرقام و المؤشرات تهم مختلف المكونات ( خاصة الموارد البشرية :قبل سد الخصاص، التحفيز…/ اللوجستيك، الخدمات.. ) ، في انتظار مدي ببرامج بقية الأحزاب -إن توفرت- و التي تصب في خانة الإصلاح و التجويد.
إذن هي أربعة مدخلات، وإن ممرت عليها دون تفصيل كبير، قد تخرج القطاع من محنته الحالية ، و موته الإكلينيكي ( mort clinique)، و ستضمن قطاعا صحيا يفي بالتزاماته نحو المواطن عبر تجويد الخدمات الصحية.
فهل شخصت أحزابنا السياسية القطاع الصحي بما يكفي، لتقف على الكثير من مشاكله البنيوية التي تشكل عائقا أمام أية تصورات سطحية؟ فالقطاع وإنا ظل شامخا لحد الآن أمام جائزة كورونا، فإنه لن يعود قادرا مستقبلا على تحمل الكثير من الوعود و البروباكندا السياسية و النكسات التي قد تسبب لا محالة انهيارا كليا لمنظومة أنهكتها سياسات متعاقبة عقيمة.