
محمد سالم الطالبي
كم هو مثير للشفقة منظر المنتخبين، و على رأسهم الرئيس طبعا، وهم يتحلقون حول “الزرود” في عز أزمة كورونا، التي تفرض بقوة القانون احترام الإجراءات الصارمة بما فيها منع التجمعات الخاصة والعامة، كما لو ان العالم كله بخير وعلى خير و لا يخصنا سوى النظر في عيونهم التي تترقب بفارغ الصبر وجبة الانتخابات القادمة.
ويبدو ان للسلطات عيون ترى و تسمع فقط عندما يخرق موظفون مغلوب على أمرهم تدابير الحجر الصحي قبل عام تقريبا من الان، حيث بادرت الى توقيفهم في حالة تلبس، اما و الحالة هذه سياسية محضة فلا ضرورة على ما يبدو تقتضي اتخاذ المتعين و معاقبة مخالفين خرقوا إجراءات الحظر في تحد واضح للقانون. وهو ما يجعل القانون في النهاية يفقد مصداقيته امام الجميع..لكن، والحق يقال فالأزمة الحقيقة لا تقف عند كورونا، فهذه الاخيرة عابرة في كل الاحوال، لكن الازمة المتواصلة هي أزمة عقل و أزمة انتخابات صارت بمثابة حائط قصير يتطاول عليه كل من هب ودب، والطامة الكبرى ان كل هذا يحدث للأسف في الوقت الذي يندب الناس حظهم جراء احوال المدينة وهم يرون “الشناقة” يفتحون الباب مبكرا “للسويقة” استعدادا لتسمين الخرفان.
ومنذ ان غادر ” مالين العقل” المشهد الحزبي و السياسي، والاصح انه لم يسبق لهم اصلا ان دخلوه، ظل الفشل المتواصل عنوان تدبير الشأن العام، فيما “نجحوا” هم في شيء واحد و وحيد و هو تقديمهم، كنتيجة منطقية لمغادرتهم الطوعية هذه، خدمة مجانية لتافهين لا ضمير و لا غيرة لديهم على بلدهم، بل ان ما يحركهم نفسيا شعور بالنقص ما فتئوا يحاولون التغطية عليه من خلال الظهور بمظهر المخلص و ركوب اي موجة بهدف الارتقاء الاجتماعي على حساب الاحزاب و السياسة في آن واحد .
و بالتالي ففعل الانسحاب من العمل الجماعي و الامتناع عن الانخراط في صفوف المقاومة لاجتثات هذه الفيروسات المتكاثرة يرقى في نظري المتواضع إلى ارتكاب “جريمة” تآمر كاملة الاركان ضد المصالح العليا، لكون “مالين العقل” بخطواتهم الى الوراء سلموا حاضر البلد ومستقبله، بدون مقاومة تذكر، رهينة في يد ذئاب آدمية اعتقدت من فرط حالة العود انها تمتلك الحق الحصري في خرق القانون و تمثيل الناس، أو لنقل التمثيل عليهم بتزكية من الاحزاب. وفوق هذا وذاك، وبالرغم من كونهم شركاء بصمتهم و بعدم التبليغ على الاقل، وهذا أضعف الإيمان، يبكون و يشتكون طوال الولاية الانتخابية من اوضاعهم المزرية، كما لو انهم غير معنيين أو أبرياء مما حدث و ما يزال. والحال ان صمتهم و انسحابهم “قرينة” ستلاحقهم لعنتها مالم يقدموا دليلا ملموسا على مناهضة هذا المد الفاسد، المتخلف عقليا، و الذي انبرى إلى إغراق فرص انقاذ ما يمكن انقاذه، اما التنمية والحق يقال فقد صارت في غياب العقل على ما يبدو حلما صعب التحقيق.
فلقد ضاع زمن اقتراحي طويل عندما استقال العقل عن الخوض في مثل هذه القضايا الكبرى التي تشغل بال الناس في كل ما يتعلق بخلق تنمية و بخلق الممكن ، و كان لا بد من أن يتسلل هؤلاء “الحراكة”، متجاوزين كل الحدود، و منهم من لا تاريخ له يذكر في المدينة، اذ نزلوا فجأة ب”البراشيت” القبلي، ليتحكموا بعد ذلك في مفاصل الاحزاب السياسية بعد أن داسوا في طريقهم تاريخا عريقا من نضالات حقيقية لرجال لا قرأوا لهم و لا سمعوا عنهم، ومع ذلك اغتصبوا المنابر نكاية بالتاريخ ، رغبة منهم في صناعة تاريخ على مقاس نزواتهم المرضية، من المرض طبعا، تعويضا عن الفشل، تعويضا عن الفراغ.. وهكذا صار الشهداء العظماء الذين سقطوا واقفين في ساحة القضايا الكبرى منافحين عن الحرية والكرامة مجرد نكرات يمر هؤلاء التافهون عليهم مرور اللئام ، هل وصل الزمن بنا إلى هذه الدرجة التي تصير فيه الوقاحة و التفاهة و الأمية العنوان الابرز للأحداث اليومية؟!
لا أقسى على العقل و القلب على حد سواء من أن يستحيل التاريخ لقمة سياسية سائغة تلوكها السن التافهين حول مادبة التحالفات ، يغمسها جوعى السلطة في خطاب النفاق و الوفاق، قبل أن يتلذذوا بهضم مصالح الناس عن طريق الانتخابات و تحت رعاية السلطات!