نون بوست – محمد شويخ
قال مبارك مزين رئيس مصلحة تنمية الانشطة الاجتماعية والثقافية بمديرية الحياة المدرسية بوزارة التربية الوطنية أن الاهتمام بمؤسسات التفتح للتربية والتكوين، “أصبح أمراً ملزماً للجميع ولم يعد ترفا أو شيئا ثانويا”، وهو يوجد اليوم في قلب اهتمامات الوزارة الوصية على القطاع، وبالتالي فمختلف البنيات الإدارية التابعة لها جهويا وإقليميا مدعوة إلى الانخراط في إرساء هذا المشروع الطموح والعمل على تنزيله ميدانيا.
وبالنظر إلى ما تقتضيه الظرفية الاستثنائية الحالية من استعدادات وتأهب دائميين لتلبية احتياجات المتعلمات والمتعلمين في إطار سيناريو التعليم عن بعد، خاصة مع استمرار المؤشرات المقلقة للوباء، فإن مؤسسات التفتح لعبت وتلعب وستلعب الدور المنوط بها لإنتاج مختلف الموارد والمضامين الرقمية التي تضمن الاستمرارية البيداغوجية، فضلا عن أداورها في مجال تأطير التنشيط الثقافي والفني والإبداعي،ونوجه تحية تقدير واحترام كبيرين لأطر هذه المؤسسات، الذين يبذلون قصارى الجهد لإنجاح وتطوير وتنشيط الحياة المدرسية بمختلف مكوناتها خدمة للناشئة وللمنظومة التربوية ككل.

وأضاف المسؤول الوزاري في حديث خاص لنون بوست أن المقرر الدراسي للسنة الحالية2020/2021، الذي يعتبر خارطة طريق تضم مختلف الإجراءات والترتيبات وكذا المحطات والاستحقاقات التربوية من بداية الموسم الدراسي إلى نهايته، والذي اختير له هذه السنة كشعار”من أجل مدرسة متجددة ومنصفة ومواطنة ودامجة”، نص في المادة 10 منه على على ضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لإعطاء دفعة قوية لأنشطة الحياة المدرسية، وأنشطة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، وأنشطة الرياضة المدرسية، وحث، في هذا السياق، على أهمية مأسسة أنشطة الحياة المدرسية، وذلك من خلال استكمال البنيات والآليات الضرورية، لا سيما إرساء الأندية التربوية ومؤسسات التفتح للتربية والتكوين”.
تعبئة التعليم عن بعد
وينبغي التنويه -يضيف المتحدث-بالدور الريادي الذي لعبته مؤسسات التفتح في إنجاح عملية التعليم عن بعد، التي أعقبت قرار التوقيف الاضطراري والفجائي للتعليم الحضوري في ظل جائحة كورونا، حيث استدعى الأمر إنتاج كم هائل من المضامين والموارد الرقمية لضمان الاستمرارية البيداعوجية، وفي هذا الإطار، تمت تعبئة مؤسسات التفتح، بالنظر لتوفرها على أطر بشرية مؤهلة في التصوير والمونتاج والإخراج وعلى فضاءات مجهزة للصوت والصورة، لإنتاج وتلبية هذا الطلب الملح في ظروف مهنية ولوجستيكية مواتية ساهمت بشكل كبير في إنقاذ الموسم الدراسي الماضي، وفي إعداد وتوفير الموارد الرقمية اللازمة للموسم الدراسي الحالي 2020/2021 تحسبا لتكرار سيناريو التعليم عن بعد في ظل استمرار الجائحة.

وينبغي الإشارة كذلك، إلى أن مؤسسات التفتح للتربية والتكوين لعبت دورا فاعلا في استمرار الحياة المدرسية عن بعد، حيث أطلقت العديد من المسابقات الفنية والثقافية والإبداعية التي عرفت إقبالا ومشاركات مهمة من طرف المتعلمات والمتعلمين، وأسفرت عن إنتاج العديد من الفيديوهات المتعددة المضامين واللوحات التشكيلية والوصلات المسرحية والموسيقية ..وغيرها،والتي أبانت عن انخراط ووعي كبيرين لدى الناشئة بأهمية التصدي لهذه الجائحة عبر هذه الواجهات الفنية والإبداعية، وهنا أغتنم الفرصة -يضيف المتحدث- لأنوه بالعمل الجبار الّذي بذله أطر مؤسسات التفتح تحت إشراف السادة المدراء الجهويين والإقليميين في إضفاء الدينامية على أنشطة الحياة المدرسية عن بعد.
ولا بد من التذكير أيضا بالدور الذي قامت به مديرية الحياة المدرسية في تأطير هذه الأنشطة وتوجيهها وتنسيق العديد من الأعمال التي أنتجت ضمن هذا السياق، وكذا في تجميع وتبويب وتصنيف هذه الإنتاجات ضمن قناة أنشأتها المديرية على اليوتوب لهذا الغرض، وقد حرصت خلال هذه الفترة على أطلاق مجلة إلكترونية تحمل عنوان ” مجلة الحياة المدرسية” وهي التجربة التي ألهمت العديد من المديريات الإقليمية حيث بادرت هي الأخرى، مشكورة على ذلك، بإصدار مجلات رقمية خاصة بها لمواكبة أنشطتها.
التأطير القانوني لمؤسسات التفتح
وردا على سؤال لنون بوست بخصوص التأطير القانوني لمؤسسات التفتح قال المسؤول الوزاري:فلابد من الإشارة إلى أهمية التأطير القانوني لهذا المشروع، وهو ما سيعطي لهذه المؤسسات دفعة قوية من خلال تمكينها من الموارد البشرية المؤهلة واللوجيستيكية بطريقة بطرق أكثر شفافية وإنصافا، وضبط ومأسسة العلاقات المهنية سواء داخل هذه المؤسسات أو في علاقتها بالشركاء من خارج الوزارة، وإعداد مشروع المرسوم المنظم لهذه المؤسسات تطلب وقتا مهما وتم في إطار تشاوري وتشاركي سواء بين المديريات المعنية داخل المصالح المركزية للوزارة، أو بين هذه الأخيرة والبنيات الجهوية التابعة لها، أو بين الوزارة والجهات الحكومية المتدخلة، قبل أن يستقر على هيأته النهائية التي تم عرضها للمصادقة ضمن المخطط التشريعي في إطار التنزيل القانوني لمقتضيات القانون الإطار 51.17 الخاص بمنظومة التربية والتكوين، وبالتالي فإن صدوره لم يتبقى له الكثير من الوقت، ونتمنى أن يحصل ذلك في أقرب الآجال الممكنة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع انطلق منذ سنة 2015، وخضع في أجرأته وتنفيذه لمراحل متعددة كما يلي :
- مرحلة الإعداد للمشروع: 2015؛
- مرحلة التجريب: 2016- 2017؛
- مرحلة التوسيع: 2018 – 2019؛
- مرحلة التعميم: 2020-2023.

حاجة متزايدة لتدريس الفنون
واسترسل مزين في حديثه لنون بوست قائلا :لا بد من التذكير بأن مشروع إحداث مؤسسات للتفتح جاء لتلبية الحاجيات المتزايدة للمتعلمات والمتعلمين في مجال التنشيط التربوي، ولا سيما ما يتعلق بالفنون من موسيقى، تشكيل، مسرح، وفنون الصوت والصورة.
وقد تم الحرص في إرساء لبنات هذا المشروع منذ البداية، وفق مقاربة تشاركية عملت من خلالها الوزارة الوصية على القطاع على الاستفادة من خبرات مختلف هيئات المجتمع المدني، التي تتوفر على الطاقات والإمكانيات والموارد الممكنة للمساهمة في تفعيل البرامج المشتركة بينها ومختلف شركائها في المجالات السالفة الذكر، بما يعطي دفعة لتحقيق البرامج والأهداف المنشودة ويضمن استمرارها وتطورها واستدامتها.
وقد جاء هذا المشروع تجسيدا واضحا لأحكام الدستور، لا سيما المادة 33 التي تنص بشكل واضح لا لبس فيه على أن: “من اختصاص السلطات العمومية اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتسهيل ولوج الشباب للثقافة، العلوم، التكنولوجيا، الرياضة والترفيه، وذلك بخلق الظروف المناسبة مع إمكانياتهم الإبداعية في جميع هذه المجالات”.
كما تجدر الإشارة، ضمن السياق نفسه، على أن مشروع مؤسسات التفتح ارتكز في بلورته وتنزيله على المرجعيات الأساسية لتفعيل إصلاح منظومة التربية والتكوين وفي مقدمتها الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نص في الداعمة 12 على الأهمية القصوى التي تكتسيها الأنشطة الموازية في الصيرورة التربوية وفي مجال تنشيط الحياة المدرسية كما يلي”…وكذلك الأنشطة الموازية التي تعتبر مجالا أساسيا وضروريا، لمستويات التعليم الابتدائي، والإعدادي والتأهيلي. هذا المجال يتضمن دروس وأنشطة تساهم في النمو الجسدي والنفسي والانفتاح الثقافي والفكري للمتعلم”.

وهو المنحى نفسه الذي سيجسده القانون الإطار 51.17 الخاص بمنظومة التربية والتكوين، الذي أكد في الكثير من مواده على ضرورة إرساء مدرسة جاذبة، مفعمة بالحياة وبقيم المواطنة، قادرة على الارتقاء الفردي والمجتمعي، وذلك من خلال تمكين المتعلمات والمتعلمين من مختلف الكفايات العلمية والمعرفية والتكنولوجية والتواصلية والعاطفية والوجدانية والإبداعية، وكذا من خلال جعل الأجيال الصاعدة أكثر تمكسا بالثوابت الدستورية للبلاد، وبالسلوك المدني الإيجابي، وبالهوية الوطنية بمختلف رموزها وقيمها الحضارية، وبالموروث المغربي الثقافي المتعدد الروافد، وبقيم الحوار والديمقراطية والتسامح والتضامن والتعايش والانفتاح، وهو ما استدعى إرساء مقاربة تربوية عصرية ومتجددة تجعل من المؤسسة التربوية، فضلا عن أدوارها ووظائفها في تثبيت مجموعة من المعارف والتعلمات، فضاء لتحرير الطاقات الإبداعية وإبراز المواهب المتعددة التي يتمتع بها التلميذات والتلاميذ في مجالات متعددة كالموسيقى والسينما والمسرح وثقافة الصورة وفنون اللغة والتعبير والتشكيل والكاريكاتير…، التي تساهم دون شك، في الرفع من الذوق الفني والجمالي والوجداني و تكريس الحس النقدي لديهم.
انفتاح على المحيط الفني والثقافي
وسعيا من الوزارة إلى تعزيز انفتاح التلاميذ على محيطهم الفني والثقافي، وفق مقاربة تستحضر نتائج التجارب السابقة من جهة، وتستشرف أفقا أكثر فاعلية ونجاعة في هذا المجال من جهة ثانية، وترسيخا لمبادئ الحكامة الجيدة في تدبير أنشطة التفتح الفني والأدبي، بما يضمن تكافؤ الفرص ويحقق الاستفادة العادلة لجميع التلاميذ والتلميذات من مختلف الأنشطة الفنية والثقافية.
ونظرا لانعدام المرافق الملائمة، التي من شأنها أن تمكن التلميذ من التأطير المناسب الذي يساعده على إبراز مواهبه وتنميتها وتطويرها وصقلها، وحيث أن التربية الموسيقية والتربية التشكيلية تلقن فقط بمستويات الثانوي الإعدادي، بمعدل ساعتين في الأسبوع، ولا يستفيد منها إلا أقل من 5% من التلاميذ، فقد خلصت الوزارة إلى ضرورة إنشاء مؤسسات للتفتح تكون بمثابة البنيات الملائمة للتنشيط الفني والثقافي والإبداعي، حيث تم العمل، في إرسائها، بتشاور مع وزارة الثقافة ومع مجموعة من الفاعلين والخبراء في المجالات الإبداعية، من داخل المنظومة وخارجها، لتحديد المبادئ والشروط والقواعد والمساطر المنظمة لهذه المؤسسات والتنظيم الإداري والمحتوى البيداغوجي الخاص بها، وكيفية استفادة التلاميذ والتلميذات منها، بالشكل الذي يمكنها من الاطلاع بالمهام المنوطة بها في مجالات التنشيط التربوي والثقافي والفني والإبداعي.
وكما تمت الإشارة إلى ذلك، فهذه المؤسسات تعلب دورا مهما في مجال التنشيط الثقافي والفني والإبداعي بالنظر لتوفرها على أطر بشرية مؤهلة وموارد تقنية ملائمة وفضاءات مناسبة للقيام بمختلف هذه الأنشطة نظريا وتطبيقيا، وقد لعبت دورا مهما في إبراز وتأطير العديد من المواهب الفنية والإبداعية، وساهمت أيضا في تأطير مختلف الاستحقاقات الفنية والثقافية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا وخارج حدود الوطن، وهنا لا بد من استحضار مساهمتها الأساسية في إنجاح تجربة المهرجانات الوطنية للتشبيك الموضوعاتي في المجالات الثقافية والإبداعية والفنية بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين التي رأت النور خلال سنة 2019.
في الختام، نجدد لكم الشكر مرة أخرى، ومن خلالكم لكافة الفريق العامل بمنبركم الإعلامي، على اهتماماتكم ومواكبتكم للقضايا التي تهم الشأن التربوي، وعلى إسهامكم في تنوير الرأي التعليمي خاصة والوطني عامة، برهانات ومشاريع المنظومة، التي تسعى إلى أن تكون أحد المداخل المهمة للبناء الفردي والجماعي ولتحقيق التحول المجتمعي المنشود الذي نطمح إليه جميعا تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه.