
محمد سالم الطالبي
“اللي علينا حنا درناه”
ناس الغيوان
مر عام تقريبا بالتمام والكمال، وهي المدة التي ادعى رئيس المجلس البلدي ذات لقاء انها كافية بالنسبة له لجعل المدينة تبدو في حال سيكون من الصعب علينا من شدة انبهارنا به التعرف عليها من جديد، دون ان تشتغل النافورة التي دخلت بدورها الى لائحة “النافورات” العجيبة التي تقف اليوم شاهدة على مقدار الابداع الذي يميز العقل السياسي المحلي، انه الابداع ماشاء الله الذي يجعلنا عاجزين في الحقيقة عن التعبير من خلال الكلمات..
واذا كان الكثيرون استبشروا خيرا من كون الرئيس هذه المرة “ولد افني” ، أي انه من طينة من ترعرعوا في المدينة منذ طفولته، لعب على امتداد زمنين مع باقي “ولاد البلاد” في ازقتها المهمشة، و تعرف عن قرب على انشغالات سكانها و امالهم العريضة في رؤية مستقبل اجمل يقطع مع مرحلة سياسية ملطخة بالسيبة و الفتنة، عكس اغلب الرؤساء الذين القى بهم “الباراشيت” القبلي دون سابق انذار، ولم يسبق لهم ان عرفوا المدينة أصلا حتى يتعرفوا عليها فيما بعد، فسارعوا الى اتلاف كل ما له علاقة بالارث العمراني الموروث عن الحقبة الاستعمارية، و تناوبوا على اغتصاب الاحزاب و السياسة، فكانت النتيجة ممارسة متخلفة
دفعت العقلاء من هول الصدمة الى تبرئهم من الاحزاب بالمرة و تركهم المجال السياسي مفتوحا على كل الاحتمالات.
غير ان “الفقيه اللي تسنينا بركتو دخل الجامع ببلغتو”، كما يقال، ليضيف من “فنه”، والاحرى من عفنه، لمسات خاصة من الاستغلال والنفوذ، لمسات كانت كافية لتحول سيدي افني خلال ولايته الى مستنقع من المصالح الخاصة التي تعتبر في الواقع العنوان الابرز لهذه التجربة التي رعاها تحالف الاصالة والمعاصرة و العدالة والتنمية و التجمع الوطني للأحرار، بالإضافة طبعا الى الاتحاد الاشتراكي الذي ودع كراسي المعارضة ليلتحق بتحالف الشر مع بقية الاشرار.
وكل قادم الي سيدي افني لا بد انه سيصطدم بهذا الواقع الصادم بسبب تردي خدمات البلدية التي يفترض ان يضطلع بها المجلس، لكن هذا الاخير فوض، على مايبدو، أمر المدينة للمجهول في انتظار انتهاء ولاية الفقيه.
فالمجالات الخضراء لا تلقى ادنى شروط الاهتمام، فزحف عليها الجفاف و باتت شبه مكبات للنفايات، زد على ذلك المدارة العجيبة التي كادت تتحول هي الاخرى الى نقطة سوداء بعد شهور طويلة من غياب الاهتمام. وشخصيا ليست لدي أي رغبة في التعرف على هذا “المبدع ” العبقري الذي خطرت بباله فكرة تصميمها بهذا الشكل المائل والماثل للعيان، و لا في معرفة “الفنان” الذي غرس شجرة في وسطها معيقا بذلك الرؤية.
ونتيجة لهذا الظلام الدامس في الرؤية و التدبير كان من الطبيعي ان يبزغ نجم “فهيمي” الإقليم، ليضع يده و عينه على كل شيء
تقريبا متدخلا بلا حدود في الشؤون الداخلية للمجلس البلدي الفاقد لهيبة المؤسسة التي منحتها اياه الارادة الشعبية.
و بالله عليكم ماذا يمكن أن يتوقع الواحد منا من عامل الاقليم في وجود كائنات انتخابية تفتقد لشخصية قوية و لحس بالمسؤولية، سوى ملؤه لفراغ سياسي واقتراحي، و دخوله على الخط ليكمل “اجره” بدوره على حساب المصلحة الجماعية و الذوق العام.
فالظاهر انه “فهيمي” كبير، بحيث انه يفهم في كل شيء و “يفهم” على الجميع، لدرجة انه حتى لون النافورة، المتوقفة عن الاشتغال منذ تدشينها، اختاره بنفسه، كما تقول الرواية الشفوية، وهو اللون الذي لا ينسجم إطلاقا مع محيطها كما يمكن أن تلحظ ذلك العين المجردة .
وعلى مدى عامين تقريبا، وهي الفترة التي قضاها المسؤول الأول في الإقليم، وضع هذا الأخير يده على مفاصل التدبير كلها تقريبا لدرجة ان المجلس البلدي بذاته “تنازل” له عن اختصاصاته و ترك له المجال واسعا يلعب فيه كما يشاء دون أن يتجرأ اي نائب في المكتب المسير لدواليب المجلس على ازعاجه مذكرا اياه بحدوده.
الا ان الاختصاصات الحقيقية تُركت جانبا و تم تمييعها ، ووجد الرئيس ومن معه في “التعويض” مبتغاهم الاسمى، ليعوضوا فشلهم الذريع في اخذ الصور الى جانبه بمناسبة او بدونها، ولعل اخر مواقفهم الهزلية هي مسارعتهم لتقديم التهاني بمناسبة حصوله على شهادة الدكتوراه.
و كأن كل ما كنا ننتظره من هؤلاء هو دغدغة مشاعر العامل عوض مساندته فيما اصلح و تأنيبه ان هو فعل عكس ذلك.
اما الرئيس، كما هو معلوم، فهو “أقرع”، وبالتالي لا يستطيع ان يفتح فمه لثقل الملفات المشغول بها، و طبعا فنحن لا نتحدث هنا عن ملفات التنمية التي وعد بإنجازها ، بقدر ما نتحدث عن ملفات الخروقات التي تثقل كاهله، اذ يمكن أن يستعملها أصحاب الحال ضده اذا ما هو فكر يوما ما في سلوك الاتجاه المعاكس لواقع الأمور هنا والان.
و نظرا لهذه التنازلات السخية المقدمة لعامل الإقليم على طبق من ذهب، نرى كيف تغمض الأعين على ملفاته، بما فيها الالتزام الذي وقعه مع البلدية، قبل أن يصير رئيسها، وهو الالتزام الذي تعهد فيه بعدم العودة إلى استغلال المخيم السياسي، عفوا السياحي، مقابل تعهد البلدية بتجميد الملاحقة القضائية بسبب مخالفات له في التعمير يشهد عليها المحضر الموقع بين طرفي النزاع.
الان بعد أن أصبح المدعى عليه رئيسا، فمن الطبيعي ان تسقط البلدية رهينة في يده في صراع مصالح conflit d’intérêts, كان يفترض ان تضع مصالح وزارة الداخلية نهاية له منذ البداية.
لذلك فمن يفهم اللعبة السياسية، بعد كل ما قيل، يجب ان يفهم أن دوره اصبح ضروريا من أجل قلب معادلة المصالح الشخصية هذه من خلال الدعوة الى ثورة في العقليات المتحجرة و المطالبة بترتيب البيت الحزبي الداخلي كمقدمة لحسم ثوري مع كائنات انتخابية لا مشروع لديها سوى شعار ” والله مابغينا
غير الخير لهاد البلاد” ، في حين ان النوايا الحسنة شرر كبير في غياب الكفاءة و الحنكة، و من جهة ثانية تخليص المشهد الحزبي والسياسي من الزواحف التي تستعين بكروشها من اجل الحركة، و باقي البيادق التي لا تتحرك الا بأمر من اسيادها المقيمين خارج الحدود المحلية و الاقليمية.
“واللي علينا حنا درناه”