
محمد أنفلوس
بعدما قرر المغرب الانتقال الى خيار جديد في التعامل مع كورونا، وهو خيار التعايش مع الفيروس، أو ما يسمى باستراتيجية مناعة القطيع ، وجدت جهة كلميم واد نون نفسها أمام واقع جديد.
الثلاثة أشهر الماضية من خيار الحجر الصحي كانت تكلفته غالية جدا على الاقتصاد الهش لجهة تكاد تخرج من بلوكاج تنموي عمّر لثلاث سنوات متتالية . لن نكون مبالغين اذا قلنا أن تداعيات الاستمرار في الحجر الصحي ستكون قاسية على الاستقرار الاجتماعي لجهة شاسعة جغرافيا ،فقيرة تنمويا،متعثرة بنيويا.
لذلك أعتقد ان مبررات استراتيجية” مناعة القطيع” تستند على معطيات معقولة خصوصا في جهة كلميم واد نون ،وأهم هذه المبررات :أنه لابد لعجلة الاقتصاد أن تدور وإلا التكلفة الاجتماعية والسياسية للحجر الصحي ستصبح أغلى بكثير سيما في ظل الهشاشة التي تميز كل مجالات الجهة.وقد رأينا كيف راسل الحلاقون و أصحاب الطاكسيات والعديد من المهن المتضررة والي الجهة لدعمهم وانقاذ ما يمكن انقاذه.
ثم ان تجربة مناعة القطيع في الجارة الاسبانية مع احترام إجراءات الوقاية والتباعد أعطت ثمارا إيجابية. ناهيك على أن نتائج المرحلة الماضية من الطوارئ الصحية أتبثت أن معدل إماتة الفيروس ليس كبيرا ، وأن المستشفى العسكري و الجهوي وحتى الاقليمي لبوزكارن وسيدي افني وطنطان أتبثت أنها قادرة على أن تستقبل أضعاف الإصابات الموجودة الآن.
ثم ان الخوف من موجة وبائية ثانية بداية شتنبر القادم يدفع في اتجاه تمكين المغاربة من المناعة صيفا قبل حلول فيروس الانفلونزا خريفا في انتظار صناعة مصل مضاد للفيروس.
لكن مايجب الانتباه له والتنبيه اليه، أننا مقبلون على مرحلة فاصلة ؛فمناعة القطيع تعني السماح للفيروس بأن “يتغذى” على أكبر عدد من الناس، مما سيكوّن مناعة ضده، والنتيجة تراجعه وهزيمته بعدما يصاب “بالتخمة”. وهي عكس إستراتيجية الحجر الصحي التي تقوم على مبدأ “التجويع”، أي عزل الأشخاص المصابون بالفيروس بعيدا عن الآخرين بحيث لا يمكنهم تمريره إلى أي شخص آخر، مما سيؤدي إلى “تجويع الفيروس و حرمانه من الوصول إلى خلايا الأفراد، وبهذه الطريقة لا يجد الفيروس من يدخله فيموت.
هي مغامرة اذن ستعيشها ساكنة جهة كلميم واد نون كباقي جهات المملكة وأكيد انها مغامرة محفوفة بالمخاطر.
فمن المتوقع أن نشهد في هذا الصيف ارتفاعا كبيرا جدا في أعداد المصابين بالفيروس وناقليه،وهي الارقام التي بدأنا نسمعها عبر مختلف الاقاليم الاربع للجهة. ويتحدث الباحثون في علم الأوبئة على أن المطلوب ليكون خيار مناعة القطيع فعالا أن يصاب به 60 في المئة من أفراد الشعب. وهذا معناه أن المصابين بالأمراض المزمنة والحوامل والرضع وكبار السن ذوي المناعة الهشة سيكونون مهددين في حياتهم جراء إصابتهم بالفيروس.
لذلك يجب الحفاظ على التباعد الاجتماعي واستعمال الكمامات وتجنب التجمعات وحماية الفئات الهشة صحيا مثل ما فعلت العديد من الدول الاوروبية .إن التعايش مع الفيروس بدون هذه الإجراءات مخاطرة غير محسوبة العواقب . وهو للأسف ما شاهدنا في الاسبوع الأول من تخفيف الحجر في شوارع الاقاليم الاربع من سلوكات بعيدة كل البعد عن هذه الضوابط في ظل ارتفاع عدد الإصابات .
مناعة القطيع بهذا الشكل ،تستبطن شبه استقالة للدولة من مسؤوليتها مقابل تحميل المواطن مسؤولية أي انتشار جديد للوباء، بعد أن تركته في معركته لا يملك إلا سلاح الصابون والكمامات.في الوقت الذي يجب أن تكون فيه السلطات الجهوية والاقليمية ملزمة باليقظة المستمرة في تتبع الحالات، وأن تحافظ على التحسيس والتوعية وإشراك المجتمع المدني في ذلك. ناهيك عن تشجيع الأطر الصحية ماديا ومعنويا لحفزهم على الانخراط الجدي بعد المجهودات التي بذلوها خصوصا أننا نعرف امكانيات جهة واد نون في ميدان الصحة والمشاكل التي لا تزال تتخبط فيها؛ فقد شاهدنا استقالات وتعيينات ووقفات احتجاجية لأطر صحية وتمريضية وجدوا أنفسهم فجأة في الخط الامامي لمواجهة الوباء.وحتى حادث انتحار طبيب في سيدي افني يعتبر مؤشرا مهما لاعادة الاهتمام النفسي بهذه الفئة.
السلطات اتخذت قرارت حاسمة في بداية الجائحة، لكن بمرور الوقت حصل تشويش وارتباك. وهي اليوم تراهن على وعي ساكنة دون ان تضع في حسبانها أن المغربي بالفطرة يؤمن أن الموت والمرض والحرائق والظلم وكل المصائب تحصل لغيره ولا تصيبه هو.ونسيت أن المغربي يجرب عدم تسرب الغاز من البوطا باشعال النار.
ليس مطلوبًا من سلطات جهة كلميم واد نون في هذه اللحظة أن تصلح أخطاء متراكمة منذ عقود ، ولكنها لابد أن تؤسس لخلية أزمة جهوية تشتغل ليل نهار لمواجهة الجائحة،خلية يقظة متكاملة فى السياسة والصحة والاقتصاد والأمن والاعلام أكثر كفاءة وأكثر علمية للتعامل مع كورونا بجهة كلميم واد نون وتداعياتها المستقبلية على جهة ما تكاد تخرج من أزمة حتى تسقط في أخرى.