
سنة 98 كان الوضع الاجتماعي في سيدي إفني ينذر بسكتة قلبية.. تماما مثل السكتة التي دعا الراحل الحسن الثاني الاستاذ اليوسفي و حكومته لعلاجها..
لكن علاج السكتة و إن وقفت عليه حكومة التناوب في البلد،فإن إفني كانت على موعد مع علاج آخر.
صيف نفس السنة، اكتشف أو أعاد شباب من إفني اكتشاف طريق افني لانزاروتي البحري ذي الثمانية و ثلاثين ساعة.
طبعا ، لم يكتشفوه لتصوير فيلم توثيقي لناسيونال جيوغرافيك، و إنما لايجاد حل للأزمة الاجتماعية التي يعيشونها و عائلاتهم و المدينة.
وبدأت تتوالى عمليات “الحريك” بحلوها الكثير، ومرها الأليم أيضا.. فتاريخ الحريك بسيدي إفني،مثل أي حريك في العالم، مليء بالنجاحات و الخيبات!
دعونا الآن من الدروس عن الخيبات و الازمة و “مابقى مايدار هناك” والتي مهما دبجناها فلن يصدقنا أحد من الشباب المقبلين دوما على حلم الضفة الأخرى.. ولنركز على “النجاحات”.. إذ كلها مرتبطة بنفس الطريق و الطريقة!
النجاحات الشخصية كثيرة، وتبقى رهينة قدرات الافراد، وهي هنا أقل أهمية في هذا الهامش..فالأهم ، في هذا التشخيص السريع، هو النجاح الجماعي..
لقد تغيرت الاحوال الاجتماعية للعائلات بسيدي إفني شيئا فشيئا.. فكثير من العائلات التي كان معظمها يعتمد دخل متقاعدي الحرب الاهلية الاسبانية الذين يتوفون واحدا واحدا مخلفينها بدون دخل ، صارت تعتمد من جديد على دخل آت مرة أخرى من الضفة الأخرى.. و المصدر هؤلاء الذين “حركوا”.
والمدينة التي كانت على حافة الافلاس اجتماعيا، بدأت تتعافى قليلا، بل أكثر من ذلك ، جعلت مصادر الدخل الجديدة الدماء الاجتماعية تتجدد بخلق عائلات جديدة أربابها هؤلاء الذين “حركوا” سابقا…
لقد تجاوزت المدينة الصغيرة ، بمحض مكر من التاريخ و الجغرافيا محنتها ولو جزئيا، و عالجت سكتتها بمغامرات صغيرة ستجتاز امتحانها الأصعب حين الأزمة المالية التي عصفت باسبانيا..و لنكتشف الفقاعة!
لكن الشباب الناظرين كل يوم إلى الأحوال الشخصية و العائلية التي تغيرت بسبب “الحريك” لا يمكن إقناعهم بهذه الفقاعة الاسبانية ..
أما عن فقاعتنا نحن هنا ،فإن تدبير “أزمة إفني” عبر “قذفها” بعمالة لا تسمن و لا تغني من جوع أمضت عقدا كاملا دون شيء يذكر على صعيد بناء “الدخل الفردي” (بعيدا عن تخربيقة الانعاش) ، ساهم في تأبيد الفكرة و الحلم الذي يجعل الشباب يتحدون المحيط ويرحلون… وترحل معهم خفقات القلوب التي لا تهدأ إلا بصورهم ، و آمالهم التي لا تخيب..
ولأننا أضعنا عقدا آخر انتهى قبل يوم دون بناء جدار لآمالهم الصغيرة فإنهم لازالوا يرحلون إلى هناك…
على نفس الطريق…
لكي يتغير واقع الحال الاجتماعي هنا…
فمن يجرؤ على النكران؟!!!
محمد المراكشي،
مع التحية.