أحمد الهيبة صمداني – أكادير
بعد جدل واسع أثاره ملف تعويض ما يزيد عن عشرين متضررا ومتضررة كانوا يشتغلون في إطار برنامج محو الأمية، وبرنامج التدرج بالتكون المهني، في إطار اتفاقية أبرمتها جمعية “القلم” بسيدي إفني، إذ راسلت المشتكيات كلا من الديوان الملكي ووزارة الداخلية، وكل الأطراف المتداخلة في الملف، كما راسل مالكو جمعية القلم رئيس الحكومة يطالبونه بالتدخل.
وستحاول “مجلة24″، من خلال هذا الملف عرض وجهات نظر جميع الأطراف، مُدعَّمة بحجج ودلائل موثقة من كلا الطرفين(نعرضها في آخر الملف)، بغية الوصول لحل وسط ينهي الخلاف القائم، ولتقريب الصورة أكثر حول أصل المشكل وتطوراته، خاصة مع تواتر هذا الملف على ألسنة أبناء المدينة وتداوله بشكل واسع.
بدايات المشكل
وتعود تفاصيل المشكل، حسب شكاية وصل “مجلة24” نظير منها، إلى قيام مشتكيات بالمطالبة بحقهن في تعويضات مالية يتلقاها المؤطرون في برنامج التدرج المهني، الذي تؤطره جمعية القلم بسيدي افني، بشراكة مع المديرية الجهوية للتكوين المهني. إذ عمدت المشتكيات إلى رفع دعوى قضائية ضد جمعية القلم للتنمية والتوعية بالمحكمة الابتدائية بتيزنيت، تطالبن فيها بالتعويض عن مستحقاتهن لثلاث سنوات امتدت بين 2015 و2018. حكمت بعدها المحكمة لصالحهن ابتدائيا واستئنافيا.
وحسب شكاية موقعة باسم المتضررات تتوفر “مجلة24” على نظير منها، أنهن كن يشتغلن بجمعية القلم للتنمية والتوعية في مجال محو الأمية وما بعد محو الأمية والتدرج المهني، وبعد “ارتكاب كل من رئيس الجمعية وأمينة مال الجمعية لمجموعة من الخروقات”، حسبهن، منها “اقتطاعات غير مبررة لمجموعة من المكوِّنات في مجال محو الأمية وما بعد محو الأمية والتربية الغير النظامية وكذا محو الأمية الوظيفية، مشيرين أنهم في أي دفعة متوصل بها يتم اقتطاع مبلغ من اجل المساهمة بدون وجه حق”.
اتهامات بالتزوير
وعددت المشتكيات، ما تعرضن له من “ظلم” حسب ذات الوثيقة، من خلال “محاولة إجبارهن، من قبل أصحاب الجمعية، على التوقيع على محاضر مزورة تفيد أن عدد المؤطرين مازال كما كان عليه، وذلك خوفا من مالكي الجمعية أن تنخفض نسبة الدعم المالي المخصص لهم، علما أن عدد من المؤطرين غادروا جمعية القلم”.
وأرجع مصدرنا سبب توقف عمل الجمعية وتجميد أنشطتها وحسابها البنكي إلى “توقف اتفاقية التدرج المهني نتيجة إصدار الأحكام، الابتدائية بتيزنيت، والاستئنافية بأكادير، كلها كانت ضد الجمعية”، يضيف المصدر ذاته، كما طالب المدير الجهوي للتكوين المهني، من رئيس جمعية القلم بسيدي افني، بحل النزاع القضائي، علاوة على “استعمال أصحاب الجمعية لأسمائنا دون علمنا، ومحاولة إضافة أسماء آخرين ممن غادروا مهمة التأطير بالجمعية، ما دفع بالمجلس الجماعي إلى توقيف استفادتهم من المنحة المقدمة للعمل الجمعوي، زيادة على حجز المحكمة على الحساب البنكي لجمعية القلم والذي كان مصدر صرف الأجور”.
محاولات للتسوية الحبية
“التسويات الحبية، ومحاولات الصلح التي تظافرت الجهود لتصل إليها، كلها باءت بالفشل”، يزيد مصدرنا، خاصة “مع رفض رئيس جمعية القلم المثول لجلسات الصلح لتسوية النزاع حبيا، ما دفعنا للجوء للمحاكم التي قضت ضد جمعية القلم”.
وتابعت المشتكيات أنه “وبعد العديد من المحاولات لإقناع الرئيس وزوجته أمينة مال الجمعية في استخلاص رواتبنا، وكذا نتيجة رفضنا التوقيع على دبلومات تخص شعبة الحلاقة بدون سند قانوني، مما دفعنا إلى اللجوء الى مفتشية الشغل بمدينة طانطان، بعد أن ضاقت بنا السبل من تهرب مسؤولي سيدي افني من متابعة الملف قانونيا”.
“التضليل باستعمال عقود قديمة”
واتهمت المشتكيات رئيس جمعية القلم بــ”محاولة التضليل، من خلال استعمال عقود عمل قديمة تعود لسنوات 2012 الى سنة 2014، والتي تم فيها استخلاص جميع رواتبنا فعلا”، مشددين على أن “مستحقاتهن المتبقية منحصرة في ثلاث سنوات ممتدة من 2015 إلى 2018 بتقارير مالية، علما أننا نتوفر على عقود عمل، واجهنا بها إنكار الرئيس أمام المفتشة الجهوية للتشغيل”.
بعد هذا كله، يضيف ذات المصدر، عمد الرئيس وزوجته إلى تأسيس جمعيتين، واحدة تحمل اسم “جمعية النور للأعمال الاجتماعية والبيئة والرياضية”، وأخرى سموها “جمعية حي بولعلام للبيئة والتنمية المستدامة”، في محاولة منهم، تزيد المشتكيات في حديثهم للجريدة، “مواصلة الخروقات التي كانت تمارَس باسم جمعية القلم للتنمية والتوعية”، وهم الآن، يزيد مصدرنا، “يستفيدون من نفس أنشطة وشراكات جمعية القلم المنحلة مما يطرح أكثر من علامة استفهام”.
وزاد المصدر عينه، أن أصحاب جمعية القلم قاموا بتبادل الأدوار في جمعيات أخرى ليستفيدوا من توقيع اتفاقية شراكة مع الوكالة الوطنية في مجال محو الأمية باسم الجمعية الحديثة، لطرفي المشكل المتهربين من أداء الأجور، تحت يافطة جمعية النور للإعمال الاجتماعية والبيئة والرياضة”. علاوة على “عقد شراكة ثانية بين وزارة التربية الوطنية وجمعية حي بولعلام للبيئة والتنمية المستدامة، التي يديرها المتهربان من تنفيذ حكم الاستئناف، وفق اتفاقية شراكة الفرصة الثانية الجيل الجديد”.
أمينة مال جمعية القلم توضح
في المقابل، أكدت أمينة مال جمعية القلم، أن المشتكيتان مازالتا عضوتين في الجمعية وأنهما تلقيا المستحقات المالية التي رصدتها وزارة التشغيل والتكوين المهني، حسب اتفاقية تكوين التدرج المهني وما تضمنه تبويب المصاريف، حيث توصلت مديرة المركز، وهي إحدى المشتكيات، بمبلغ 34.500 درهم، في ما تسلمت كاتبة الجمعية آنذاك، حسب ما تتوفر عليه الجمعية من مستندات، بـ 38.200 درهم. مضيفة أن “ما تدعيه صاحبة الشكاية لا أساس له من الصحة، وأحمل المسؤولية لكل من نشر أخبارا زائفة”.
“يتابعون الجمعية وكأنها شركة، إذ يطالبونها بتكملة الأجر، على أساس العقد الذي أعطاه لنا التدرج المهني للتوقيع عليه بغرض عقد العمل وإسناد المهمة”، تضيف محدثة الجريدة، مسترسلة بقولها أن “العقد تم توقيعه من طرف واحد، أي من طرف المشتكيتين، بخصوص التدرج المهني. وهو ما لم يكن في علمنا، إلى أن تفاجأنا بدعوى من المحكمة يطالبوننا فيها بالحد الأدنى من الأجور وتكملة الأجر منذ 2012″، متناسين، حسب قولها “أننا مجرد جمعية توقع اتفاقية كنظيراتها، مثل اتفاقية محاربة الأمية واتفاقية التدرج المهني، أو أي اتفاقية كيفما كان نوعها”.
وأوضحت ذات المتحدثة، أن الأداء في هذه الاتفاقيات يكون على دفعات، أولاها بنسبة خمسين(50) في المائة، تليها الثانية بثلاثين(30) بالمائة، ويطالبوننا بالتقرير المالي والبيداغوجي، وفور تسلمنا للنسب المذكورة، تقول مصدرنا: “نقدمه لمحاسب محلف، الذي يُعِد لنا التقرير المالي المقدم للشركاء لنتسلم بعدها عشرين (20) في المائة المتبقية”.
وأكدت أمينة مال جمعية القلم، أن المشتكيات تلقوا جميع الدفعات الخاصة بأجورهم، موضحة أنهم قاموا بوضع عقد عمل 2012 لدى مندوبية التشغيل بطانطان، مطالبين بتكلمة الأجر، من خلال التعويض على الحد الأدنى للأجور. موردة أن “الإطار الذي يجمعهم بالمشتكيات هي جمعية القلم وليست شركة ليتم مطالبتها بكل هذا”.
وعزت المتحدثة تجميد أنشطة الجمعية، إلى “الدعوى التي رفعتها المشتكيات، إذ قامت بسببها محكمة الاستئناف بالحجز على الحساب البنكي للجمعية، والذي كان مصدر صرف أجور المربيات والمربين والمكونين والمتدرجين، مُجمِلة أعدادهم في 90 شخصا لم يتم صرف أجورهم، و 90 آخرون لم يتسلموا دبلوم مربية، كما حُرمت، تضيف أمينة مال جمعية القلم في حديثها للجريدة، 59 فتاة من مستحقاتها من محاربة الأمية أو ما بعد محاربة الأمية.
رئيس جمعية القلم للتنمية والتعاون يخرج عن صمته
من جانبه أكد رئيس جمعية القلم في تصريح خص به “مجلة24″، أن المشتكية صاحبة الدعوى، والتي كانت تشغل منصب مديرة للمركز، مازالت “محسوبة على الطاقم الإداري للجمعية ولم تقدم لحد الساعة أية استقالة من منصبها”.
مضيفا أن المشتكية، كانت تربطها عقدة بالجمعية عن طريق التكوين بالتدرج، إذ طالبتهم المشتكيات بالحد الأدنى من الأجور، وهذا ما حكمت به محكمة الاستناف، مع تقليل المبلغ المالي الذي كان ابتدائيا، حيث بلغ بعد الاستـئـناف خمسة ملايين سنتيم.
وتابع رئيس جمعية القلم، في حديثه الذي خص به الجريدة، أن مكونات في برنامج محو الأمية زميلات المشتكيات، رفعن بهما شكاية موقعة بأسماء المكونات وموجهة لرئيس الحكومة، توصلت الجريدة بنسخة منها، كونهما تسببتا في حجز الحساب البنكي للجمعية الذي كان مصدر صرف الأجور لجميع المتعاقدين مع الجمعية.
مؤطرو محو الأمية يردون على رئيس جمعية القلم
وفي ذات السياق كشف مؤطرون في مجال محو الأمية وما بعد محو الأمية، تضرروا من جمعية القلم، في تصاريح متفرقة استقتها “مجلة24” منهم، أنهم “مازالوا لحدود اليوم يطالبون رئيس الجمعية بإعطائهم مستحقاتهم المالية التي ما تزال على ذمته”، نافين أن “يكونوا وقعوا على أية شكاية ضد زميلاتهن اللاتي طالبن بحقهن في المحكمة”.
وتروي إحداهن في حديثها للجريدة، بعبارات تلفها الحسرة على ما ضاع منهم، رغم أنها، حسب ما صرحت به، “بذلت رفقة زوجها كل ما بجهدهم، ومن مالها الخاص لتجهيز المقر الموجود بأربعاء آيت عبد الله، التابع لجمعية القلم، والبعيد عن تيغزا بسيدي افني بحوالي 14 كيلومترا، إذ تقول: “كنا نقطع حوالي 45 كيلومترا في ذهابنا ومثلها في الإياب، أي 90 كيلومترا في الرحلة الواحدة، وكنت أتكلف بجميع مصاريف التنقل الخاصة بالجمعية، والتي من المفترض أن تتكلف بها الجمعية، فمثلا لم يتم تعويضنا في التنقل في إحدى الدورات التكوينية في أكادير، إذ استغرب المنظمون من عدم تلقينا لتعويضات التنقل رغم أن الجمعية توصلت بحوالات لتعويضنا عليه”.
المديرية الجهوية للتكوين المهني بأكادير تنهي اللبس
وأبرز المدير الجهوي السابق للتكوين المهني، والذي كان متابِعا للمف، في حديثه للجريدة، أن “الملف تقني بشكل كبير”، مؤكدا أن المحكمة قضت لصالح المشتكيات ضد جمعية القلم بسيدي إفني، بصرف أجورهن، وعلى الجمعية الامتثال للحكم القضائي لفض الخلاف القائم”.
موضحا انه “لا دخل لمديرية التكوين المهني بأكادير في ما يخص أجور المتعاقدين مع الجمعية”، إذ “نرتبط مع رئيس الجمعية في ما يتعلق بالتكوين، وليس في أداء الأجور”. مشددا على أن “للجمعية مواردها البشرية كاملة والبنية التحتية من مركز وسبورات وطاولات، ما يجعلنا ندخل معهم في شراكة التكوين المهني بعيدا عن أي عقود عمل مع الطاقم الإداري للجمعية التي يستوجب عليها أن تؤدي واجباتها المالية تجاه هاؤلاء المتعاقدين معها في ظل الشراكة التي تجمعنا بها”.
دعوات لتحكيم العقل وفض النزاع القائم
وطالب متابعون للشأن المحلي في حديثهم لمجحلة24″، من الأطراف المعنية بالجلوس إلى مائدة الحوار، وتحكيم العقل، كما شددوا على “ضرورة تدخل مؤسسات الدولة المعنية بتسوية الملف من أجل إخماد الاحتقان الاجتماعي، الذي خلفه هذا الملف، خاصة على الأسر المتضررة من عدم صرف أجورهم”، علما أن “المحكمة قالت كلمتها الأخيرة في الملف”. متسائلين عن “الجدوى من صدور أحكام قضائية استئنافية نهائية إن لم يظهر أثرها في الواقع؟”.