في الحاجة الى العقل والايمان

15 يونيو 2020
في الحاجة الى العقل والايمان
في الحاجة الى العقل والايمان

محمد سالم الطالبي

خرج البحار بعد مدة الحجر الصحي معافى والحمد لله، وخرج سيدي افني برسم البطولة الوطنية في مواجهة كورونا مرفوع الرأس، بعد تحقيقه نتيجة “سلبية” كانت كافية للمرور الى الدور الاول دون تسجيل اصابات.
و رغم استمرار الضغط على جميع القطاعات الساهرة ليل نهار على حماية الناس الا ان محاولات التسلل عبر كل الوسائل لم تتوقف، فقبل اعلان الصافرة نهاية الشوط الثاني من الحجر الصحي تم بنجاح عرقلة الفيروس في مربع العمليات و تحييد تهديده، وهو ما جعل الاقليم يعادل الكفة من جديد لصالحه محققا بذلك انتصارا تاريخيا يستحق عليه التشجيع والتنويه.
ولم يكن هذا ممكنا بالطبع لولا انخراط الجسم الاقليمي كله من سلطات وسكان و حقوقيين ملتزمين، و ناشطين جمعويين حرصوا على الرفع من “المورال”، لدى الاطفال على وجه الخصوص، في عملية تعبئة جماعية التزم الجميع خلالها بالخطة المعتمدة التي جعلت دفاعات الحدود الاقليمية محصنة بشكل منع تسرب اي خطر من شانه خلق فجوة في صفوف الدفاع، و يعقد بالتالي خطة التعامل مع الفيروس.
بالمقابل ظلت المياه الاقليمية مصدر الخطر الحقيقي لكون الميناء ظل يشتغل، كباقي الأنشطة الاقتصادية الضرورية، بشكل “عادي” ، في غياب اجراءات الوقاية الكافية، مما ضمن مداخيل مهمة تحصل البلدية بالمناسبة على 3 في المائة من مجموعها دون ان يوقظ هذا كله رئيس “الجماعة”، بتسكين الجيم، من سباته الطويل الذي كلف تدبيره السيئ للمدينة خسائر فادحة في كل مجالات اختصاصاته تقريبا ، أولها رداءة الإنارة، واخيرا وليس اخرا التطاول على المعالم المعمارية التي اعتقدنا انها اصبحت خطا احمر الى ان فوجئنا بعودة العبث الذي شوه، تحت أنظار عامل الاقليم، واجهة معلمة تاريخية فريدة من حجم “السبيطار”.
واذا كان هناك من قائل يقول بان الميناء يجب ان يغلق في وجه الحركة الاقتصادية فهذا خطأ انجر في الواقع وراءه كثيرون عن غير وعي بتداعيات شل ذراع اقتصادي يشكل مصدر مهما للمداخيل، مع الاشارة طبعا الى توفيره لما يكفي من منتوجات تلبي حاجيات المواطن الغذائية محليا، واقليميا، ووطنيا.
ولعله من الضروري القول، في هذا السياق، انه اذا كان لفيروس كورونا خطر واضح على صحة و اقتصاد الناس ، إلا أن هذا في النهاية ليس سوى مجرد تحد حتما سيتم التغلب عليه، و ستنتهي هذه المعركة قريبا بحول الله بما لها من دروس يجب على الدولة ان توليها ما تستحقه من اهتمام، لكن الخطورة التي يشكلها فيروس الانخداع بمظاهر الشعارات تستدعي في الواقع معركة طويلة ونفسا اطول، لكون هذا الفيروس ليس سريع الانتشار فحسب، وإنما لكونه يتسرب الى عقول ضحايا كثر، وهو ما يجعل احيانا مسالة تشخيصه المبكر مسألة صعبة، ان لم نقل مستحيلة في احيان كثيرة.
والنتيجة لهذا التعرض المستمر لقصف الاكاذيب، و التفريغ العاطفي لشحن سلبية هو تعريض ذوي النيات الحسنة لخطر الاستلاب العقلي، و القابلية للاستعمال والاستغلال السياسي و غسل الدماغ الاديولوجي تمهيدا لتحويلهم الى الى بيادق يسهل تحريكهم حسب ما تقتضيه ظروف اللعبة.
“سدو المرسى” مثلا كان شعارا كان دافعه في الكثير من الحالات حسن النية و الغيرة على الاقليم و الخوف على الناس من خطر الفيروس القاتل، انا شخصيا لا شك في هذه النوايا، لكن الواجب يقتضي قبل الانخراط في اي معركة، من المفروض أن تكون في نهاية المطاف قضية لكل مؤمن بها ، لا مجرد عملية مزايدة عابرة، هو اعمال العقل ، واطلاق العنان له قبل الايمان بكلمات لربما كانت في لحظة ما ليست كالكلمات.
وإذا كان الانسان قد اخذ من الله سبحانه وتعالى نصيبه كاملا في الحق في التشكيك بالآمور الغيبية، اذ قال ابراهيم لربه : ” ارني كيف تحيي الموتي قال او لم تومن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي”، يرتقي هذا الحق، اي الحق في التشكيك، الى واجب مقدس عندما يتعلق الامر بالآمور الدنيوية حيث يرتفع في الغالب منسوب المصالح السياسية و الاديولوجية، وتصبح معه الحقيقة عرضة للغرق، هنا يطفو على السطح واجب التضحية و الغوص في مياه التفاصيل لإنقاذها من الضياع، ففي هذه المساحة المكهربة بالضبط يحق للصحافة ان يكون لها وجود تمارس بموجبه حقها في السخرية قبل انتزاع الكمامات الموضوعة بعناية على الكثير من “الكمارات”.
قبل12 عاما من الان عندما كانت تتعالى اصوات داخل المعتصم و من خارجه من بعض اعضاء السكرتارية انفسهم، من قبيل “سدو المرسى” و” يجيبو الوزينات دابا” و ما فاتحينش الطريق”، و “ماعندنا مانديرو بالحوار” ، انخدع كثيرون بهذه الشعارات لدرجة ان البعض رددها دون وعي بما كان يحدث في الكواليس، ايمانا منه بعدالة “قضية”، ولم يتجشم حينها احد في تلك الايام عناء البحث عما كان يقبع وراءها، اعتقد الكثيرون ان اغنية النضال تلك كانت تقتضي الضرب على وتر التصعيد بلا حدود، لم يدركوا حينها ان الذين كانوا يطلقون هذا الشعار بحماس خادع و من معهم من “صقور” تحلق مجتمعة في سماء التآمر يترجمون عمليا ما كانت تريده اجنحة داخل الدولة كان من مصلحتها ضرب عصفورين على الاقل بحجر واحد، اولا النجاح في التغطية على كل الخروقات المرتبطة بتدبير ازمة الاحتجاجات منذ البداية بمبرر غياب العقل المخاطب، وثانيهما تسلمها لهدية ثمينة من قبل المحتجين انفسهم تمنح السلطات حقا شرعيا في التدخل بالقوة، بموجب قانون لا يعترض على تنزيله احد، و استغلال التدخل فيما بعد وسيلة لتنفيذ عقاب جماعي يسمح بتجفيف منابع كل ما من شانه أن يدخل في خانة ما يسمونه “الفوضى”. وهذا ما حدث بالفعل.
عندما وقفت وسط جموع المحتجين في الطريق المؤدية للميناء، نصحتهم بأعلى الصوت بضرورة الترحيب بالحوار لكونه الطريق الذي يجب ان يسلكه الجميع مهما كانت الظروف، وأن الميناء سيظل في النهاية في مكانه، انطلق صوت محتج على كلامي من مكان ما، وتبعته اصوات اخرى تسوق لشجاعة مفقودة ، في مناخ غلب عليه المزايدة لدرجة ان الخوف من الصاق ” تيكيت” كان يجهض اي رغبة من داخل المعتصم في التمرد أو التعبير عن موقف حكيم.
للتاريخ، فكل الذين كانوا يهددون بالتصعيد و يقفون في وجه اي محاولة لفتح باب الحوار لم يهدد أمنهم أحد، ولا اقتحم الامن منازلهم، ولا ظهر لهم وجود في أم المعارك ولا بعدها، فقد انتهت مهمتهم بمجرد قلب طاولة الحوار و بعثرة ما عليها من أوراق، أما بقية القصة فحتما يعرفها الجميع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة