
بقلم : ليمام سيفر
في خطاب إلى الشعب ،أعلن جلالة الملك محمد السادس عن تكوين لجنة خاصة مهمتها تصور نموذج تنموي جديد للمغرب .هذه اللجنة المكونة من اختصاصيين في جميع المجالات تشتغل الآن تحت رئاسة السيد شكيب بنموسى وتقوم بمشاورات مع مختلف الفاعلين واستشارات مع المواطنين وزيارات ميدانية إلى بعض المناطق وعليها تقديم اقتراحاتها إلى الملك مع شهر يوليو .جلالة الملك طلب من جميع المواطنين المشاركة الفعالة في بلورة مغرب حداتي جديد كما طلب تشخيص المعيقات واقتراح الحلول بكل جرأة وشجاعة مهما كان نوعها وطبيعتها .
التفاعل مع هذه اللجنة طبعته ردود افعال مختلفة بين مرحب ,مدعم ومساند, وبين مشكك في قدراتها ونتائجها وفئة اخرى لامبالية او مستخفة لانها غير متفهمة اساسا .
ومالايدركه هؤلاء ان خلاصات ومقترحات وتقارير هذه اللجنة ستكون هي الاساس الذي ستبنى عليه كافة السياسات المستقبلية للمغرب في كل المجالات والنموذج الجديد الذي سينمو على هياكل النموذج القديم الذي لم يعد يستوعب هموم ومشاكل وانتظارات الشعب المغربي.وعليه يشكل عمل هذه اللجنة امرا جوهريا ومصيريا بالنسبة للمغاربة جميعا وبالتالي عليهم التعامل الايجابي والبناء والمتفائل معها ونبذ العدمية والحياد في مثل هذه الامور.
من هذا المنطلق ولأن التغيير دائما مفيد ,أردت أن أمارس دوري اولا كمواطن وثانيا كممارس ومهتم بالشأن الفني والثقافي في هذا البلد واعبر عن بعض الأفكار والمقترحات اشارك بها في النقاش المطروح.
لن اتكلم في الاقتصاد لأن له أهله ولا في التعليم والصحة وقد قيل فيهما الكثير ,مايهمني اكتر هو الجانب الثقافي والفني وهنا أكاد أجزم بأنه لاتقدم ولارقي لمجتمع بدونهما. مستوى ثقافة أفراد مجتمع ما معيار لمستوى تطوره وتحضره.الثقافة والفن تخرجان الإنسان من عالم البربرية والفوضى إلى عالم الجمال والرقة والانسانية والانفتاح .الفن والثقافة يسموان بالإنسان وبمشاعره لخلق كائن متوازن مع ذاته ومع محيطه ,يسمو بفكره عن التفاهات معانقا القضايا الكبرى لمجتمعه ولبيئته.
وعلى رغم هذه الأهمية التي لايمكن لأحد أن ينكرها للثقافة والفن في تطوير الشعوب ,نجدها للأسف عندنا منبوذة ومغيبة في كثير من الأحيان أو أنها لاتعطى لها الأهمية والدور الذي تستحقه أو أنها حكر على فئة دون أخرى أو منطقة دون اخرى.لهذا على لجنة النموذج التنموي إعادة الاعتبار لهما وجعلهما من بين المحاور الرئيسية لقاطرة التنمية ووقودا فعالا للدفع بها إلى الامام.ان مشكلة بلدنا اليوم ليست أزمة إمكانيات ولامشكلة موارد ,فالمغرب والحمد لله بلد يمتلك كل مقومات النهوض والتقدم ,أن ازمتنا هي أزمة خيال وابداع ، نعم ازمة خيال وابداع . ألم يقر اينشتاين, وهو أحد أكبر علماء الفيزياء عبر التاريخ , بأن الخيال أكثر أهمية من المعرفة.
Imagination is more important than knowledge ” .
مانحتاجه اليوم هو مهندسين ,اطباء,علماء ,اقتصاديين,علماء تربية,علماء اجتماع ,مخترعين.. يمتلكون خيالا واسعا يستطيعون به ابتكار وتصور حلول جديدة ومبتكرة في كافة الميادين، ملائمة لبيئتنا ،مراعية لخصوصياتها وبأقل الامكانيات والتكاليف.والخيال والابداع هما ميدان الثقافة والفن اللذان يجعلان الفكر حرا طليقا ويوسعانه ويكسبانه أجنحة وابعاد لاحدود لهما تجعل المستحيل ممكنا والخيال واقعا.
وانسجاما مع هذا الطرح أقدم هنا بعض الاقتراحات في هذا الميدان والتي لن تكون الا بلورة لحلول واستنتاجات سابقة :
– إعادة القيمة الاعتبارية للمثقف والفنان داخل المجتمع والتعريف بهم وبانتاجاتهم.
– بناء مسارح وسينمات ومتاحف ودور عرض في كل المدن وتشجيع الناس على حضور أنشطتها من خلال آثمنة مناسبة .
– بناء مكتبات كبيرة في كل الأقاليم والجهات بهندسة عصرية مزودة بكافة الكتب من جميع التخصصات.
– إدخال تدريس الفنون في المناهج الدراسية واعتبارها مواد كاملة كباقي المواد الاخري.
– بناء المعاهد التخصصية في الموسيقى ,الفن التشكيلي, المسرح والسينما على الأقل في كل جهة.
– كل مؤسسة تعليمية يجب أن تتوفر على قاعة واسعة ومجهزة صالحة لممارسة الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية.
– تشجيع الجمعيات الجادة التي تقدم أعمال مفيدة للناس.
– زيادة الدعم للسينما والمسرح مع مراعاة توفر عناصر الجودة الفنية والفكرية في الأعمال المختارة.
– الإكثار من البرامج الثقافية والفنية في التلفاز والاذاعات واستضافة المثقفين والفنانين .
– دعم المهرجانات الجادة مع الحرص على تنويع أنشطتها والفئات التي تستهدفها.
ان الثقافة والفن يمكن أن يكونا محركا اقتصاديا مهما يدر أموالا مهمة وينعش دخل الكثير من الناس ويحفز القطاعات الإنتاجية الأخرى وأكبر مثال على ذلك السينما في أمريكا التي تشكل إيراداتها أكثر من مداخيل بيع الاسلحة والمبلغ هنا بمليارات ومليارات الدولارات وانظر في تجربة تركيا التي تباع اليوم مسلسلاتها للعالم أجمع وتحقق من وراء ذلك أموالا طائلة هذا بالإضافة إلى التعريف بتاريخها وتشجيع السياحة فيها .
لنجعل اذا من الثقافة والفن همّاً مجتمعيا وهاجسا يوميا لأن ذلك بالاكيد سيجعلنا نتخلص من الكثير من السلبيات والظواهر التي تعيق مجتمعنا عن التطور والتقدم وتعيننا على ان نسمو به إلى آفاق الابداع والأمم المتحضر.